للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال: [الضّريع شيء يكون في النّار يشبه الشّوك أمرّ من الصّبر، وأنتن من الجيفة، وأشدّ حرّا من النّار، سمّاه الله ضريعا] (١).

وقيل: إنّ الله يرسل على أهل النار الجوع حتى يعدل ما بهم من العذاب، فيستغيثون من الجوع فيغاثون بالضّريع، ثم يستغيثون فيغاثون بطعام ذي غصّة، فيذكرون أنّهم كانوا يسلكون الغصص في الدّنيا بالماء، فيسقون فيعطشون ألف سنة، ثم يسقون من عين آنية لا شربة هنيّة ولا مريّة، فكلّما أدنوه من وجوههم سلخ جلود وجوههم وسوّدها، فإذا وصل إلى بطونهم قطّعها، فذلك قوله تعالى: {وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ} (٢).

فلمّا نزلت هذه الآية قال المشركون: إنّ إبلنا لتسمن على الضّريع، فأنزل الله قوله تعالى: {لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} (٧)؛وكذبوا، فإن الإبل لا ترعاه إلاّ ما دام رطبا، وأما إذا يبس فلا تقربه دابّة، ورطبه يسمّى شبرقا لا ضريعا، والمعنى:

لا يسمن من أكله ولا يسدّ جوعة.

قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ (٨) لِسَعْيِها راضِيَةٌ} (٩)؛هذه صفة وجوه أهل الجنّة يقول: وجوههم يومئذ نضرة حسنة جميلة، آثار النّعمة عليها ظاهرة، وهي لعملها راضية بما أدّاها إليه من الثواب والكرامة،

{فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ} (١٠)؛أي مرتفعة في القدر والشّرف.

قوله تعالى: {لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً} (١١)؛أي لا يسمع أصحاب تلك الوجوه كلمة ذات لفق ولا حلفا كاذبا ولا كلاما باطلا، وذلك لأنّ سماع ما لا فائدة فيه يثقل على العقلاء، ولا يتكلّم أهل الجنّة إلاّ بالحكمة وحمد الله تعالى على ما رزقهم من النّعيم المقيم.

قوله تعالى: {فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ} (١٢)؛أي فيها لكلّ إنسان في قصره عين جارية من كلّ شراب يشتهيه، يجري إلى حيث يشاء على حسب إرادته ومحبّته.


(١) في الدر المنثور: ج ٨ ص ٤٩٢؛ قال السيوطي: (أخرجه ابن مردويه بسند واه عن ابن عباس).
(٢) محمد ١٥/.

<<  <  ج: ص:  >  >>