للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقيل في وجه اتصال هذه الآية بما قبلها: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لمّا وصف للمشركين سرر أهل الجنة مع علوّها وارتفاعها، وأنّها تنحطّ لصاحبها إذا أراد صعودها ثم ترتفع، استبعدوا ذلك، فذكر الله ما يزيل استبعادهم وكانوا أرباب إبل، فأراهم دلائل توحيده فيما في أيديهم.

وتكلّمت الحكماء في وجه تخصيص الإبل من بين سائر الحيوانات، فقال مقاتل: «لأنّهم لم يروا بهيمة قطّ أعظم منها، ولم يشاهدوا الفيل «إلاّ» الشّاذ منهم» (١).وقال الحسن: «لأنّها تأكل النّوى، وتخرج اللّبن».وقيل: لأنّها مع عظمها تلين للحمل الثقيل وتنقاد للقائد الضعيف يذهب بها كيف شاء.

وحكى الأستاذ أبو القاسم بن حبيب: أنه رأى في بعض التفاسير: أنّ فأرة أخذت بزمام ناقة، فجعلت الفارة تجرّ الناقة وهي تتبعها حتى دخلت الجحر، فجرّت الزمام فبركت، فجرّته فقرّبت فمها من جحر الفارة، فسبحان الذي قدّرها وسخّرها وذلّلها (٢).

وقال أبو عمر (٣): «الإبل هي السّحاب، وهي أليق بما بعد من ذكر السّماء والجبال» إلاّ أنّ هذا غير معروف في اللّغة، وإنما يقولون للسّحاب: الإبلّ بتشديد اللام (٤).

قوله تعالى: {وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ} (١٨)؛في الهواء فوق كلّ شيء لا تنالها الأيدي،

بلا عماد تحتها ولا علاّقة فوقها، {وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ} (١٩)؛فجعلها مرساة مثبّتة لا تزلزل، وفجّر في أعلاها العيون لمنافع الناس،

{وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} (٢٠)؛أي بسطت على وجه الماء.

فالذي فعل هذه الأشياء قادر على أن يخلق نعيم الجنة بالصفات التي ذكرها.


(١) ذكره مقاتل بمعناه في التفسير: ج ٣ ص ٤٧٩.
(٢) نقله بنصه الثعلبي في التفسير: ج ١٠ ص ١٨٩.
(٣) في الجامع لأحكام القرآن: ج ٢٠ ص ٣٥؛ قال القرطبي: (قد ذكر الأصمعيّ أبو سعيد عبد الملك ابن قريب، قال أبو عمرو ... ) وذكره.
(٤) في الجامع لأحكام القرآن: ج ٢٠ ص ٣٥؛ نقل القرطبي تفصيل ذلك عن الماوردي.

<<  <  ج: ص:  >  >>