للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى} (٦)؛عدّد عليه نعمه الموصولة إليه من صغره إلى كبره، والمعنى: ألم يجدك يتيما عن أبيك فضمّك إلى أبي طالب، وربّاك في حجره، وفضّلك على أولاده، وقد كان أبوه مات وهو في بطن أمّه، وماتت أمّه وهو ابن سنتين، ومات جدّه وهو ابن ثماني سنين.

وقوله تعالى: {وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى} (٧) أي ضالاّ عن علم النبوّة، وأحكام الشّريعة غافلا عنها، فهداك إليها، دليله قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ} (١)،وقوله تعالى {ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ} (٢).ولا يجوز أن يقال في معناه: إنه عليه السّلام كان على دين قومه، فهداه الله؛ لأنه تعالى لا يختار للرّسالة من كفر.

وقيل: معناه: أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم كان ضلّ في صغره عن قومه في شعاب مكّة، فوجده أبو لهب فردّه على جدّه. وقيل: معناه: وجدك ضائعا بين قوم ضوالّ لا يعرفون حرمتك، فهداهم الله تعالى إلى معرفة قدرك.

قوله تعالى: {وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى} (٨) أي ووجدك فقيرا فأغناك بمال خديجة والغنائم، وذلك أنّها كانت تبذل مالها للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم. والعيلة في اللغة: الفقر، يقال: عال الرجل إذا كثر عياله وافتقر، قال الشاعر (٣):

وما يدري الفقير متى غناه ... وما يدري الغنيّ متى يعيل

وحذف الكاف من قوله تعالى (فآوى، فأغنى، فهدى) لمشاكلة رءوس الآي؛ ولأن المعنى معروف، قال مقاتل: «وكلّ فصل من هذه الفصول قراءة جبريل عليه السّلام على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول: [بلى يا رب] ثمّ قال: [يمنّ عليّ ربي وهو أهل المنّ، يمنّ عليّ ربي وهو أهل المنّ]» (٤).


(١) يوسف ٣/.
(٢) الشورى ٥٢/.
(٣) أحيحة بن الجلاح الأوسي، شاعر جاهلي (ت ١٢٩ ق. هـ‍).
(٤) أخرجه مقاتل بن سليمان في التفسير: ج ٣ ص ٤٩٥ بغير إسناد. وفي الدر المنثور: ج ٨ ص ٥٤٤؛ قال السيوطي: (أخرجه ابن مردويه والديلمي عن ابن عباس).

<<  <  ج: ص:  >  >>