فيرتبط التفسير بتكوين المعنى في الذهن بما يخدم في فهم النصّ ووعيه له. والتأويل هو ردّ الشيء إلى الغاية المرادة منه علما كان أو عملا؛ أي إرجاعه إلى أصله؛ فالتأويل عملا بالطاعة لله ورسوله، والتأويل علما بإرجاع محلّ التنازع والاختلاف إلى مظانّه من كتاب الله وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، قال تعالى:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}(١).
والتأويل على ضربين: الأول: تأويل شرعي للنصّ، والآخر: تأويل عقلي.
وإذا علم أن المراد بالتأويل-على وجه العموم-ما يفيد في توجيه المعنى في دلالة الخطاب إلى طريقة القيام بالعمل وإنفاذه على وجهه الشرعيّ؛ أو بما يخدم فكرة الموجّه للدلالة إلى مقاصده وغاياته. والأول منهما؛ وهو التأويل الشرعي للنصّ؛ وهو المطلوب من المكلّفين لفهم خطاب الشارع على قصد مراد الله سبحانه وتعالى؛ ويثمر للمكلّف عند الله الأجر والثواب وتتحقّق العبادة في إنجازه. والثاني: هو التأويل العقلي؛ فهو تحكّم في توجيه دلالة النصّ إلى ما يفيد غرض المكلّف وبما يخدم غاياته وأهدافه على قصد مراده البشري أو الشخصي أو المذهبيّ أو الطائفي؛ وهذا ليس مرادا في عرف الشارع كما سيظهر إن شاء الله. وعلى ما يبدو أن هذا النوع من التأويل وقع به غالب المتكلّمين، ولإظهار المعنى بما يبني فكرة التأويل ومفهومه في عقليّة المسلم نقول:
خاطب الله الناس، بكلامه في القرآن الكريم، وبما أمر به رسوله سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم أن يبيّن لهم ما أجمل في الكتاب أو عمّ أو أطلق. وجاء الخطاب بلسان عربيّ مبين، فصيح يحمل في دلالاته معاني تفهم منه من سياق النصّ مباشرة، أو من مفردات ألفاظ النصّ، أي تفهم المعاني المرادة بإدراك دلالة اللفظ باللّغة العربية، أو بإدراك دلالة السّياق بمعهود العرب وعرف لسانهم وخطابهم، أو تدرك المعاني من معرفة أسباب نزول النصّ وأسباب ورود البيان السّنّي للكتاب. فيدرك المرء دلالة النص من تفسير ألفاظه ومرامي معانيه على الواقع، أو تأويله إلى ما يفيد العمل الفكري الذي