موسى قال:[أوفاهما وأبرّهما](١).إلا أن هذا النوع لا يجوز الاعتماد عليه كمصدر للنقل إلاّ ما ورد منه في الكتب الصحاح، لأن القصّاص والوضّاع زادوا فيه كثيرا. ولذلك يتحرّى في هذا النوع من مصادر النقل لكثرة الكذب فيه على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وقد بلغ من تحري السّلف في هذا النوع من التفسير حدّا أنكره كثير منهم إنكارا كليّا ... وقالوا لم يرو عن رسول الله تفسير. وقد روي عن الإمام أحمد بن حنبل أنه قال (ثلاثة ليس لها أصل: التّفسير والملاحم والمغازي).ولذلك نجد أن المفسّرين لعدم ثقتهم بما ورد، لم يقفوا عند حدّ ما ورد، بل اتّبعوا ذلك بما أدّاهم إليه اجتهادهم. ولم يقفوا عند حدود النصّ. وقد أضيف إلى ما ورد عن رسول الله، ما ورد عن الصحابة من تفسير، وصار من التفسير المنقول، وكذلك ما ورد عن التابعين من تفسير. وقد تضخّم هذا النوع من التفسير المنقول وصار يشمل ما نقل عن رسول الله وما نقل عن الصحابة، وما نقل عن التابعين، وصار وحده كافيا لأن يكون وحده تفسيرا. وتكاد كتب التفسير المؤلّفة في العصور الأولى تكون مقصورة على هذا النحو من التفسير.
ثانيا-من مصادر التفسير الرّأي، وهو ما يطلق عليه الاجتهاد في التفسير. ذلك أن المفسّر يعرف كلام العرب ومناحيهم في القول، ويعرف الألفاظ العربية ومعانيها بالوقوف على ما ورد مثله في الشعر الجاهلي والنثر ونحوهما، ويقف على ما صحّ عنده من أسباب نزول الآية مستعينا بهذه الأدوات، ويفسّر الآيات القرآنية حسب ما أداه إليه فهمه واجتهاده.
ولم يكن التفسير بالرأي يعني أن يقول في الآية ما يشاء وما تتطلبه رغبته، وإنما كان الرأي الذي يجري التفسير بحسبه يعتمد على الأدب الجاهليّ من شعر ونثر وعادات العرب ومحاوراتها، ويعتمد في نفس الوقت على الأحداث التي حصلت في أيام الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وما لقي النبيّ من عداء ومنازعات وهجرة وحروب وفتن، وما حدث في أثناء ذلك مما استدعى أحكاما واستوجب نزول القرآن.
(١) عن مجاهد: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم سأل جبريل: [أيّ الأجلين قضى موسى؟] فقال: [أبرّهما وأوفاهما]. رواه الطبري في جامع البيان: تفسير سورة القصص/الآية ٢٩:الحديث (٢٠٨٧٦).