للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال بعضهم: معناه: {(وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ)} من الأعمال الظاهرة، {(أَوْ تُخْفُوهُ)} من الأحوال الباطنة، {(يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ)} العائد على أفعال العارف على أحواله (١).

وقال بعضهم: إن الله تعالى يقول يوم القيامة: هذا يوم تبلى السّرائر وتحرج الضمائر، وإن كتّابي لم يكتبوا إلا ما ظهر من أعمالكم، وأنا المطّلع على سرائركم مما لم يعلموه ولا يكتبوه، فأنا أخبركم بذلك وأحاسبكم؛ لتعلموا أنه لا يعزب عنه مثقال ذرّة من أعمالكم، ثم أغفر لمن شئت وأعذب من شئت. فأما المؤمنون فيخبرهم بذلك كله ويغفر لهم، ولا يؤاخذهم بذلك إظهار لفضله. وأما الكافرون فيخبرهم ويعاقبهم عليها إظهارا لعدله (٢).فمعنى الآية: {(وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ)} فتعملوا به، {(أَوْ تُخْفُوهُ)} مما أضمرتم وأسررتم ونويتم، {(يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ)} ويعرّفكم إياه ويغفر للمؤمنين، ويعذب الكافرين، يدلّ عليه قوله تعالى: {(يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ)} ولم يقل:

يؤاخذكم به الله. والمحاسبة غير المعاقبة فالحساب ثابت، والعقاب ساقط. وقال الحسن ابن مسلم: (يحاسب الله المؤمن بالمنّة والفضل؛ والكافر بالحجّة والعدل).

وقيل في تأويل الآية: أنّها وردت فيما يؤاخذ به العبد فيما بينه وبين الله تعالى، وتأويل قوله صلّى الله عليه وسلّم: [إنّ الله تجاوز لأمّتي ما حدّثت به أنفسها ما لم يعملوا أو يتكلّموا به] (٣):إنّما ورد فيما يلزم العبد من أحكام الدنيا، فلا يقع عتقه ولا طلاقه ولا بيعه ولا هبته بالنيّة ما لم يتكلّم.


(٥) -الحمّى والنّكبة، وحتّى الشّوكة والبضاعة يضعها في كمّه فيفقدها، فيروع لها فيجدها في ضبنه، حتّى أنّ المؤمن ليخرج من ذنوبه كما يخرج التّبر الأحمر من الكير].أخرجه الإمام أحمد في المسند: ج ١ ص ٢١٨.
(١) وذلك أن أفعال الجوارح إذا خلت عن أفعال القلوب، لا يترتب عليها عقاب، كأفعال النائم والساهي، ويدل عليه حديث علي رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: [إنّ الله تجاوز لأمّتي عن الخطأ والنّسيان، وما استكرهوا عليه].
(٢) جامع البيان: تفسير الآية: النصوص (٥٠٨٢ - ٥٠٨٧) عن الضحاك عن ابن عباس.
(٣) تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>