للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فبلغ ذلك أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم وكانوا يقولون: لو بلغ إلينا لتمّ أجره، وضحك المشركون وقالوا: ما أدرك ما طلب، فأنزل الله تعالى هذه الآية {(وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً)} (١).أي مهاجرا قومه وأهله وولده إلى طاعة الله وطاعة رسوله؛ {ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ؛} في الطريق؛ {فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ؛} فقد وجب ثوابه على الله المليء الوفيّ بوعده، {وَكانَ اللهُ غَفُوراً؛} بما كان منه في الشّرك؛ {رَحِيماً} (١٠٠)؛به في الإسلام.

قوله عزّ وجلّ: {وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ؛} أي إذا سافرتم في الأرض؛ لأن الخروج إلى الصحراء أو القصد إلى القرية القريبة لا يسمّى ضربا في الأرض، وقوله تعالى: {(فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ)} أي ليس عليكم حرج ومأثم في أن تقصروا من الصلاة، يعني من أربع ركعات إلى ركعتين، {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ؛} أي إن علمتم أن يغتالكم، {الَّذِينَ كَفَرُوا؛} ويقتلوكم، {إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً} (١٠١)؛أي عدوّا ظاهر العداوة، يبدون عداوتهم لكم.

وفي الآية ذكر القصر من الصلاة بين شرطين، وأجمعت الأمّة أن أصل القصر لا يتعلّق بهما وأن كلّ واحد منهما يؤثّر في القصر نوع تأثير، فتأثير السّفر في القصر في العدد في الصّلاة الرباعيّة، وتأثير الخوف في القصر في أركان الصّلاة إذا خاف إن قام في الصلاة أن يراه العدوّ، أو خاف أن ينزل عن الدابّة أن يدركه العدوّ، وكان له ترك القيام، وأن يومئ على الدابّة، فيحتمل أن حرف العطف مضمرا في قوله: {(إِنْ خِفْتُمْ)} كأنه قال: وإن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصّلاة.


(١) ينظر: الطبري في جامع البيان: النص (٨١٣٧) ضمرة بن جندب الضمري، والنص (٨١٣٨) جندب بن ضمرة الجندعي، والنص (٨١٤٠) ضمرة من بني بكر عن ابن عباس، والنص (٨١٤١) ضمرة بن العيص الزرقي، أحد بني ليث. في الدر المنثور: ج ٢ ص ٦٥٠؛ قال السيوطي: «أخرجه أبو يعلى وابن أبي حاتم والطبراني بسند رجاله ثقات عن ابن عباس».

<<  <  ج: ص:  >  >>