للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في التّوراة فباعدناهم من الرّحمة، وقيل: عذبناهم بالجزية. وقيل: مسخناهم قردة وخنازير، ودخول (ما) في هذه الآية صلة زائدة.

قوله تعالى: {(وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً)} أي صيّرناها يابسة خالية من حلاوة الإيمان مجازاة لهم على معصيتهم. قرأ يحيى بن وثّاب والأعمش وحمزة والكسائيّ:

«(قسيّة)» بتشديد الياء من غير ألف، وقرأ الباقون (قاسية) بألف وهما لغتان، مثل زكيّة وزاكية (١)،وقيل: معنى (قاسية):غليظة متكبرة لا تقبل الوعظ، وقيل: رديئة فاسدة، من الدّراهم القسيّة، وهي المغشوشة.

قوله تعالى: {(يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ)}. قرأ السّلمي والنخعيّ: يحرّفون الكلام باللّف؛ أي يغيّرون ألفاظه ولا يقرّونه على ما هو عليه في التّوراة، كما أخبر الله تعالى عنهم من ليّ ألسنتهم بالكتاب، وقيل: يغيّرون تأويله.

قوله تعالى: {وَنَسُوا حَظًّا مِمّا ذُكِّرُوا بِهِ؛} أي وتركوا نصيبا ممّا أمروا به في كتابهم من نعت محمّد صلى الله عليه وسلم وصفته، ومن رجم الزّاني المحصن، وأصل النّسيان التّرك.

قوله تعالى: {وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ؛} أي لا تزال يا محمّد تطّلع على خائنة ومعصية منهم، وفاعلة من أسماء المصادر مثل: عاقبة وكاذبة، وقد تكون الخائنة من أسماء الجماعة كما يقال: رافض ورافضة، فيكون المعنى: ولا تزال تطّلع على فرقة خائنة منهم مثل كعب بن الأشرف وأصحابه من بني قريظة حين نقضوا العهد، وركبوا إلى أبي سفيان بمكة، ولقوه وعاهدوه على رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما سبق ذكره.

قوله تعالى: {إِلاّ قَلِيلاً مِنْهُمْ؛} لم ينقضوا العهد، وهم عبد الله بن سلام وأصحابه. وقال ابن عبّاس: (معنى قوله تعالى {(خائِنَةٍ)} أي معصية)،وقال بعضهم:

أي كذب وفجور، وكانت خيانتهم بنقض العهد، ومظاهرتهم المشركين على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهمّهم بقتله.


(١) في الجامع لأحكام القرآن: ج ٦ ص ١١٥؛ قال القرطبي: «مثل العليّة والعالية، والزكيّة والزّاكية».

<<  <  ج: ص:  >  >>