للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ} (٣٧)؛قيل: معناه: كلّما رفعتهم النار بلهبها يتمنّوا أن يخرجوا منها، يقول الله تعالى: {(وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ)} دائم لا ينقطع.

قوله عزّ وجلّ: {وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما؛} قال ابن عبّاس: (نزلت في طعمة بن أبيرق سارق الدّرع) وقد مضت قصّته في سورة النساء، ثم صارت عامّة في جميع الناس. ومعنى الآية: والسارق من الرجال والسارقة من النّساء فاقطعوا أيديهما أي أيمانهما كذا تأوّله ابن عباس. وفي قراءة ابن مسعود:

«(فاقطعوا أيمانهما)».

وقرأ عيسى بن عمر: «(والسّارق والسّارقة)» بالنصب على إضمار اقطعوا السارق والسارقة، كما تقول: زيدا اضربه، والقراءة المختارة: الرفع؛ لأن القطع على الأيدي لا على السارق. وقال المبرّد: (ليس القصد من الكلام إلى واحد بعينه، وإنّما معناه: من سرق فاقطعوا يده، بخلاف قولك: زيدا اضربه. ولو أراد سارقا بعينه لكان وجه الكلام النّصب).وعلى هذا قوله تعالى: {الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما} (١) ولو أراد زانيا بعينه لنصب.

وإنما ذكر أيديهما بلفظ الجمع؛ لأنه أراد أيمانهما؛ لأنّ ما كان واحدا فبيّنه بلفظ الجمع والإضافة إلى الاثنين، ومثل ذلك {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما} (٢)،والإضافة إلى الاثنين يدلّ على أن المراد به التثنية دون الجمع.

فإن قيل: لأيّ معنى قدّم الله ذكر السارق على السّارقة، وقدّم ذكر الزانية على الزاني؟ قيل: لأنّ السرقة في الرجال أكثر، والنساء هي أصل الفتنة للرجال بالتعريض لهم، ولو لزمت المرأة بيتها كما أمر الله تعالى لم تقع هي، ولا الرجال في الزّنا.

واختلفوا في كم تقطع يد السارق من المال إذا سرقه، فقال بعضهم: في عشرة دراهم فصاعدا، ولا يقطع فيما دون ذلك، وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه، وكان


(١) النور ٢/.
(٢) التحريم ٤/.

<<  <  ج: ص:  >  >>