للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والسّحت: اسم لما لا يحلّ أخذه، وأصل السّحت من الهلاك، يقال: سحته وأسحته؛ إذا استأصله، ومنه قوله تعالى: {فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ} (١) أي يهلككم، وسمّي الحرام سحتا؛ لأنه يؤدّي إلى الهلاك والاستئصال.

وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: [كلّ لحم نبت من سحت فالنّار أولى به] قيل:

ما السّحت يا رسول الله؟ قال: [الرّشوة في الحكم] (٢).وعن مسروق عن ابن مسعود قال: «الرّشوة سحت، قلت له: في الحكم؟ قال: لا؛ ذاك الكفر؛ ثمّ قرأ {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ}» (٣).وأراد بهذا استحلال الرّشوة وجحد الحقّ.

والرشوة تنقسم على وجوه؛ منها: الرشوة على الحكم، وذلك حرام على الرّاشي والمرتشي؛ لأنه لا يخلو إمّا ليحكم له الحاكم بحقّه، فيكون المرتشي آخذا للأجرة على أداء ما هو فرض عليه، ويكون الرّاشي محاكما إلى من لا يصلح للحكم ولا ينفذ حكمه، وإما أن يرشي فيقضي له بما ليس له بحقّ، فيكون الإثم أعظم ويفسق الحاكم من وجهين، وكذلك المرتشي، والرّائش: أراد بالرائش الذي يمشي بينهما.

ومنها: الرشوة في غير الحكم، كما روي عن وهب بن منبه: (أنّه قيل له الرّشوة حرام في كلّ شيء؟ قال: إنّما نكره أن ترشي لتعطى ما ليس لك، أو تدفع حقّا لزمك، فأمّا أن ترشي لتدفع عن دينك ودمك ومالك، فليس بحرام، وإنّما الإثم على القابض) (٤).


(١) طه ٦١/.
(٢) في الدر المنثور: ج ٣ ص ٨١؛ قال السيوطي: «أخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن ابن عمر».وفي جامع البيان: النص (٩٣٥٣) عن عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر مرسلا.
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان: النص (٩٣٤٩).
(٤) في الجامع لأحكام القرآن: ج ٦ ص ١٨٣ - ١٨٤؛ نقله القرطبي وقال: «قال أبو الليث السمرقندي الفقيه: وبهذا نأخذ؛ ولا بأس بأن يدفع الرجل عن نفسه وما به من رشوة. وهذا كما روي عن ابن مسعود أنه كان بالحبشة فرشا دينارين وقال: إنما الإثم على القابض دون الدافع».

<<  <  ج: ص:  >  >>