للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النضير، فقالوا: يا محمّد إخواننا بنو النضير أبونا واحد وديننا واحد وكتابنا واحد، إذا قتلوا منّا قتيلا أعطونا سبعين وسقا من تمر، وإذا قتلنا منهم قتيلا أخذوا منا أربعين ومائة وسق، وجراحاتنا على النصف من جراحاتهم، فقال صلى الله عليه وسلم: [دم القرظيّ وفاء بدم النّضير].فأنزل الله تعالى هذه الآية (١)؛أي فإن جاءك الفريقان كأنّهم راضين بحكمك، فاحكم بما أنزل الله، وإن شئت فأعرض عنهم.

وقيل: معناه: فإن جاءك أهل خيبر في حكم الزّنا، فاقض بينهم بالرّجم في هذه الحادثة، وفي نظيرها من الحوادث التي تقع من بعد، أو أعرض عنهم، ولا تحكم بينهم، خيّره الله تعالى بين أن يحكم بينهم وبين أن يعرض عنهم، وهذا التخيير منسوخ بقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ}.

قوله تعالى: {وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً؛} لإعراضك عنهم، {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ؛} أي بالعدل؛ {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (٤٢)؛أي العادلين.

قوله تعالى: {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللهِ؛} أي كيف يرضون بحكمك وعندهم التوراة فيها حكم الرجم والقصاص وغير ذلك {ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ،} يعرضون عن العمل بها، {مِنْ بَعْدِ ذلِكَ؛} من بعد البيان الذي في كتابهم، {وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} (٤٣)؛ليسوا بمصدّقين بما عندهم، يزعمون أنّهم مؤمنون بالتوراة وهم كاذبون. وفي هذه الآية بيان على أنّ هؤلاء اليهود كانوا لا يحكّمون النبيّ صلى الله عليه وسلم بحكم رضى وانقياد، ولولا طلبهم الترخّص واتّباع ما لا يغني في كتابهم لما جاءوه.

قوله تعالى: {إِنّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا؛} أي إنّا أنزلنا التوراة على موسى فيها بيان من الضّلالة ونور لمن آمن به، يقضي بها النبيّون الذين أخلصوا، وهذه صفة الأنبياء؛ لا أن فيهم من لم يخلص، كما يقال: صلّى الله على محمّد وعلى آله الطيّبين، لا يراد بذلك أنّ في أهله غير طيّب.


(١) أخرجه الطبري في جامع البيان: النص (٩٣٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>