للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فلمّا عصوا الله تعالى في محمّد صلى الله عليه وسلم وبالغوا في تكذيبه، كفّ الله عنهم بعض الّذي كان بسط عليهم، فعند ذلك قالوا: يد الله مغلولة) (١).أي قالوا على سبيل الهزء: إنّ إله محمّد الذي أرسله ممسكة يده عنان الرزق لا يبسط علينا كما كان يبسط. وهذا اللفظ في كلام العرب عبارة عن البخل، كما قال تعالى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ} (٢) أي لا تمسكها عن الإنفاق.

قال بعضهم: إنما قال هذه المقالة فنحاص ولم ينهه الآخرون، ورضوا بقوله فأشركهم الله فيها، وأرادوا باليد العطاء، لأن عطاء الناس وبذلهم في الغالب بأيديهم، فاستعمل الناس اليد في وصف الناس بالجود والبخل. ويقال للبخيل: جعد الأنامل؛ مقبوض الكفّ؛ مكفوف الأصابع (٣)؛مغلول اليدين، قال الشاعر:

كانت خراسان أرضا إذ يزيد بها ... وكلّ باب من الخيرات مفتوح

فاستبدلت بعده جعدا أنامله ... كأنّما وجهه بالخلّ منضوح

وقوله تعالى: {(غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ)} جواب عن كلامهم على طريق المقابلة في الازدواج؛ أي أمسكت أيديهم عن الإنفاق في الخير، وجعلوا بخلاء واليهود أبخل الناس، ولا أمّة أبخل منهم. ويقال: معنى {(غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ)} أي غلّت إلى أعناقهم في نار جهنم، ويقال: لا يخرج يهوديّ من الدنيا إلاّ وتصير يده مغلولة إلى عنقه.

قوله تعالى: {(وَلُعِنُوا بِما قالُوا)} أي عذّبوا بالجزية، وطردوا عن رحمة الله تعالى لقولهم: {(يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ)}.

قوله تعالى: {بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ؛} عبارة عن الجود وكثرة العطيّة لمن يشاء، كما يقال: فلان بسط اليدين، وباسط اليدين إذا كان جوادا يعطي يمنة ويسرة، وعن ابن عباس: (أنّ معناه: بل نعمتاه مبسوطتان)،وأراد نعمة الدين والدنيا،


(١) في الدر المنثور: ج ٣ ص ١١٣؛ قال السيوطي: «أخرجه أبو الشيخ عن ابن عباس، وابن جرير عن عكرمة».
(٢) الإسراء ٢٩/.
(٣) في الجامع لأحكام القرآن: ج ٦ ص ٢٣٨: «وكزّ الأصابع»،والكزّ: البخل.

<<  <  ج: ص:  >  >>