للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله عزّ وجلّ: {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ؛} خطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم وأمر له أن يبلّغ الناس جميع ما أنزل إليه من ربه من القرآن. قوله تعالى: {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ؛} معناه: إن لم تبلّغ آية مما أنزل إليك، أو حكما أمرت بتبليغه إليهم، فكأنّك لم تبلّغ شيئا من الرسالة؛ أي يحصل لك الثواب الموعود على تبليغ الرسالة من قبل، وإنّ كتمان آية واحدة تحبط ثواب ما بلّغ من الرسالة.

يقال: إنّ في هذه الآية دليلا على أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أمر بشيء خاص تأنّى قليلا عن تبليغه حذرا وخوفا أن يبتليه الله، كما ابتلى قبله إبراهيم بالنار وإسماعيل بالذبح وزكريّا ويحيى بالقتل، وكان صلى الله عليه وسلم عازما على فعل ما أمر به مع خوفه، فقيل له إن لم تفعل ما أمرت به من دعوتهم إلى الإسلام، وعبت دينهم فقد بطل جميع ما فعلت من قبل التبليغ، كأنّك لم تبلّغ شيئا من الرسالة، ولهذا قرأ نافع وابن عامر وعاصم: «(رسالاته)» بلفظ الجمع، وقد يذكر الواحد ويراد به الجماعة.

قوله تعالى: {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ؛} أمان من الله للنبيّ صلى الله عليه وسلّم كيلا يخاف ولا يحذر، كما روي في الخبر: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا دخل المدينة قالت له اليهود: يا محمّد إنّا ذوو عدد وناس، فإن لم ترجع قابلناك، وإن رجعت زوّدناك وأكرمناك. فكان عليه السّلام يحرسه مائة من المهاجرين والأنصار يبيتون عنده، ويخرجون معه خوفا من اليهود، فلمّا نزل قوله: {(وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ)} علم أنّ الله يحفظه من كيد اليهود وغيرهم، فقال للمهاجرين والأنصار: [انصرفوا إلى رحالكم، فإنّ الله قد عصمني من اليهود]،فكان صلى الله عليه وسلم عند ذلك يخرج وحده في أوّل اللّيل وعند السّحر إلى أودية المدينة وحيث ما شاء، فعصمه الله مع كثرة أعدائه وقلّة أعوانه، فعاش حميدا ومات سعيدا صلى الله عليه وسلم (١).


(١) في الدر المنثور: ج ٣ ص ١١٨؛ قال السيوطي: «وأخرج عبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل، وابن مردويه عن عائشة قالت: [كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يحرس حتّى نزلت وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ فأخرج رأسه من القبّة وقال: انصرفوا فقد عصمني الله].ومثله عن أنس رضي الله عنه، وأخرجه الطبري في جامع البيان: الحديث (٩٥٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>