للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأمم على الرّكب، لا يبقى ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل إلاّ قال: نفسي نفسي، فعند ذلك تطير القلوب من أماكنها، فتقول الرّسل من شدّة هول المسألة وهول الموطن:

لا علم لنا) (١) {إِنَّكَ أَنْتَ عَلاّمُ الْغُيُوبِ} (١٠٩)؛ترجع إليهم عقولهم، فيشهدون على قومهم أنّهم بلّغوهم الرسالة، وأنّ قومهم كيف ردّوا عليهم.

فإن قيل: كيف يصحّ ذهول العقل مع قوله تعالى {لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ} (٢) قيل: إن الفزع الأكبر دخولهم جهنّم. وعن ابن عبّاس: (أنّ معنى: لا علم لنا؛ أي لا علم لنا إلاّ ما علّمتنا، فحذف الاستثناء. وقيل: معناه: لا علم لنا بتفصيل الأمور.

قوله تعالى: {إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ؛} معناه: واذكروا أيّها المؤمنون {(إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى)،} ويجوز أن يكون عطفا على قوله: {(يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ)} تقديره: إذ يقول الله: يا عيسى بن مريم، إلاّ أنه ذكره بلفظ الماضي لتقديم ذكر الوقت.

ومعنى الآية: أظهر منّتي عليك بالنبوّة وعلى أمّك بأن طهّرتها واصطفيتها على نساء العالمين؛ ليكون حجّة على من كفر وادّعاك إلها، فيكون ذلك حسرة وندامة عليهم يومئذ. والفائدة في ذكر أمّه: أنّ الناس تكلّموا فيها كما تكلّموا فيه.

ثم عدّ الله نعمة نعمة: {إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ؛} أعنتك وقرّبتك بجبريل الطاهر حين حاولت بني إسرائيل قتلك، ويقال: أيّدتك به في الحجّة في كلّ أحوالك.

وقوله تعالى: {(يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ)} انتصب {(ابْنَ مَرْيَمَ)} لأنه منادى مضاف؛ أي يا عيسى يا ابن مريم، قوله تعالى: {(اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ)} معناه: اذكر نعمتي، لفظة واحدة ومعناها الجمع، كقوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها} (٣) أي نعم الله، لأنّ العدد لا يقع على الواحد.


(١) أخرجه الطبري في جامع البيان: النص (١٠١١٤) عن ابن عباس، والنص (١٠١١٠) عن السدي، والنص (١٠١١١) عن الحسن، والنص (١٠١١٢ - ١٠١١٣).
(٢) الأنبياء ١٠٣/.
(٣) ابراهيم ٣٤/.

<<  <  ج: ص:  >  >>