فالصحيح إِذَنْ أن الضَّمِير في قَوْلهُ:{فَإِنَّهُ} يَعود على الشَّيطان.
وإذا قُلْنا: إنه يَعود على الشَّيطان يبقى النَّظر، أين جواب الشَّرط؟ إِذَا قُلْنا: فإنَّه -أي الشَّيطان- يَكُون الجواب محذوفًا تدُلّ علَيْه هَذه الجُمْلَة تقديره {وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} وقع في الفَحْشاء والمُنْكر؛ لأَن الشَّيطان {يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر} فمن اتبعه وقع فيه، والله أعلم.
مِنْ فَوَائِدِ الآيَة الْكَرِيمَةِ:
الفَائِدةُ الأُولَى: العناية بهَذَا الحُكْم؛ لأَن الله جَلَّ وَعَلَا صدره بالنِّداء {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فإن النِّداء يُفيد التَّنْبيه، فإذا رأى طالب العِلْم من نفسه غفلة وتكاسلًا فسمع هَذَا ينتبه ويتحرك قلبه إلى حلقة العِلْم بعد ما كَانَ ذاهلا عنها، ووجَّه الله تَعَالَى الخِطَاب للمُؤْمِنِينَ لأنهم هم الَّذينَ يَنْتَفِعون بالْأَمْر والنَّهي ويمتثلون.
الفَائِدة الثَّانية: أن الإِيمَان يُراد به مطلق الإِيمَان؛ لقَوْله تَعَالَى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فالله جَلَّ وَعَلَا يخاطب المُؤْمِنِينَ كلهم ولَيْسَ كلهم قد بلغوا درجة الكمال في إيمانهم، فحال توجيه الخِطَاب إلَيْهم قد لا يَكُونون متصفين بكمال الإِيمَان ما لم يُنفّذوا، فإذا نفّذوا صاروا كاملي الإِيمَان.
الفَائِدة الثَّالِثَة: أنَّه يَنْبَغِي ذكر الحوافز الَّتِي تحفز الْإِنْسَان وتحمله على الامتثال؛ لقَوْلهُ:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} كأنه يَقُول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} لأنكم مُؤْمِنُونَ {لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} ففي هَذَا إثارة وحافز قوي يُحفّز الْإِنْسَان على ألا يتبع خُطُوات الشَّيطان.