يَقُول المُفَسِّر رَحَمَهُ اللهُ:[أبو بَكْر رَضْيَ اللهُ عَنْهُ رَجَّعَ] أو رجع؟ هل نشدد الجيم أو نخففها؟
الجواب: يصح التخفيف؛ قَالَ اللهُ تعالى:{فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ}[التوبة: ٨٣]، {رَجَعَكَ} بمَعْنى ردّك لأَن رَجَع في الحقيقَة فعل ماض يستعمل متعديًا ولازمًا، فإذا قلت:"رَجَعْتُ من كذا"، فهَذَا لازم، وقلت:"رَجَعْتُ إلى فلان ما استعرته منه"، صَارَ متعديًا، إِذَنْ قَوْل المُفَسِّر رَحَمَهُ اللهُ:[رَجَع إِلَى مِسْطَح مَا كَانَ يُنْفِقَهُ عَلَيْهِ] بمَعْنى رده فتصح بالتخفيف.
ولِذَلك يَنْبَغِي أن يمرن الطَّالب نفسه على كثرة الاسْتِنْباط من النُّصوص؛ لأنه كم من نص واحد تأخذ منه صفحة من الفوائد والمَسائِل، ويأتي واحد آخر لا يحصِّل منه إلا سطرين، فلِذَلك يَنْبَغِي لطالب العِلْم كما أنَّه يمرن نفسه على كثر المطالعة وقِراءَة الكتب يَنْبَغِي أيضًا أن يمرن نفسه على الاسْتِنْباط من الأدلَّة، وكم من دَليل واحد دل على مئات المَسائِل بحسب فهم الْإِنْسَان، فالَّذِي يرزقه الله فهما يستغني بِذَلِك عن نصوص كَثيرَة لا يحتاج إلى أن يجهد نفسه لتحصيلها ومطالعتها.
والشَّافعيُّ رَحَمَهُ اللهُ استنبط من قَوْل النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أبا عُمَيْر مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ"(١) ألف فَائِدَة، وهو حديث كَلِماته قليلة، والنُّغير طائر صغير كَانَ مع الصَّبي الَّذِي يُكنى بهَذه الكنية، يلعب به، فلمَّا مات اغتم هَذَا الصَّبي، مثل عادة الصَّبي إِذَا أمسك عُصفورًا
(١) أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب الانبساط إلى الناس، حديث رقم (٦١٢٩)، ومسلم، كتاب الآداب، باب استحباب تحنيك المولود عند ولادته وحمله، حديث رقم (٢١٥٥)، عن أنس بن مالك.