للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهنا قَال عَزَّ وجَلَّ: {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} فهؤُلاءِ أُصيبوا مُصيبةً عظيمةً، ولا شكَّ أنَّهم صَبروا حتَّى فرَّج الله عنهم هَذِه الغُمَّة، فكان جزاءُ ما أُصِيبوا بِه في هَذِه القضيَّة أن حصَلَتْ لهم المَغْفِرة، وفي مُقابلَةِ الصَّبْر حصَل لهم الرِّزق الكَريم.

ووَصْف الرِّزق هنا بأنه كَريم ليْس لأنه ذو شُعُور فيُوصَف بالكَرم، فالرَّجُل مثلًا لَه شُعُور وإرادَةٌ فيَجُوز أن يُوصَف بالكَرم، لكنَّ اليَوْم قد وُصف هُنا بالكَرم رغم أنَّه لا إرادةَ له؛ لأنَّ المرادَ بالكَريم هُنا الشَّيْء الطَّيِّب الحسَن، كما في قوْل النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ: "إيَّاكَ وَكرَائِمَ أَمْوَالهِمْ" (١)، وكرائِم جمع كَريمة.

إذِن فالرِّزق الكَريم هو الرِّزق الحسَن، ويشْمَل هَذا الشَّيْء الكَثير.

من فوائد هَذِه الآيَة:

الفَائِدَة الأُولى: إثبات الحِكْمَة لأحْكَام اللهِ عَزَّ وَجلَّ الشَّرْعيَّة والقدَرِيَّة؛ فهَذِه الآية جمعت بيْن أحْكَامٍ شرعيَّةٍ وقدَرَّيةٍ، واللهُ عَزَّ وجَلَّ منَ النَّاحية القدرِيَّةِ جعل لكلِّ شيْءٍ ما يُناسبه، وكذَلِك منَ النَّاحية الشَّرْعيَّة يَنْبغي أن نُنزل لكُلِّ شيْء ما يُناسِبُه.

الفَائِدَة الثَّانية: أنَّه يجِب عَلى الإِنْسان أن يُنْزِل النَّاس منازِلهم، فلا يصِفُ الطَّيِّبَ بالخُبْث، ولا الخبيثَ بالطَّيِّب، لأنَّ في هَذا معاكَسةً للقدَر والشَّرْع معًا، مع أنَّه يتضمَّن مفاسِد حين تصِفُ شخصًا خَبِيثًا بالطَّيِّب فتكُون بذَلِك رفعْت عنه وصفه كذبًا وزورًا، ثم إنَّك لو فعلْت هَذا تكون قد خدَعت النَّاس به، فالطَّيِّب يُوصَف بالطَّيِّب، والخبيث يُوصَف بالخُبْث، ولا يجوز للإِنْسان أن يتعدَّى ذَلِك.


(١) أخرجه البخاري: كتاب الزكاة، باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في فقرائهم، رقم (١٤٩٦)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، رقم (١٩).

<<  <   >  >>