للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبالعَكْسِ نظرنا فوجدنا أن فيها أناسًا لَيْسَوا من المحارِم كملك الْيَمِين والتَّابعين غير أولي الإربة أو الطفل الَّذينَ لم يظهروا على عورات النِّساء.

وعلى هَذَا فيَكُون الحُكْم في هَذه الآيَة مستقلًّا عن مَسْأَلة المَحرميَّة، فما استثني من إبداء الزِّينَة وجب استثناه وما لا فلا.

فهَذه المَسْأَلة لَيْسَ لها علاقة بمَسْأَلة المَحرميَّة وإنما هي مَسْأَلة مستقِلَّة تعود إلى أمر حساس دقيق، لأنَّنا قُلْنا: إن هَذه الصُّورة كلها في حماية الأعْرَاض وتطهير النُّفوس وإبعادها عن الدنس، ولذَلك تجد احترازات بالغة الأهمِّيَّة، فالَّذِي يظهرُ لي من سِيَاق الآيَة أنَّه يَجب إبقاؤها عَلى عُمومِها وعلى خصوصها أيضًا، وأن ما استثني فيها فله حكم الاستثناء وما لم يذكر فيها فهو باقٍ على النَّهي، فالعِلَّة الوَحْيدة هي أن الله لم يستثنه، والمَسْأَلة كما تقدَّم لَيْسَت مبينة على المَحرميَّة فمن استثناه الله استثنيناه ومن لم يستثنه لم نستثنه.

قد يَقُول قائل: إِذَا كَانَ أبناء الأخ وأبناء الأخت يجوز إبداء الزِّينَة لهم لأَن المَرْأَة عمتهم أو خالتهم، لماذا لا يَكُون العكس؟ ألَيْسَت المَرْأَة للعم هي بنت أخيه، وللخال هي بنت أخته، فإذا كَانَ يجوز لها إبداء الزِّينَة لابن أخيها ولابن أختها أفلا يجوز العكس لأَن الصِّلة واحدة؟ نقول: لا، لأَن ابن أخيها وابن أختها تشعر هي بأنَّها لها العلو عليهما؛ لأنَّها عمة وخالة لهما، فهما يحترمانها ولَيْسَت هي الَّتِي تحترمهما، لكن مَسْأَلة العم والخال يشعران بعلو مرتبتهما على بنت أخيهما وبنت أختهما فهي تحترمهما وهما لا يحترمانها، فلِذَلك يَكُون القياس هُنا غير وجيه، والآيَة لَيْسَ فيها مجال للقياس أبدًا لأَن فيها تفصيل بالأعيان: إلا فلان وفلان وفلان، لَيْسَت قواعد عامَّة.

<<  <   >  >>