للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فالجواب: أن الملك المطلَق لله وأن ملك البشر لِمَا يملكون لَيْسَ مطلقًا بل هو مقيد بنوع الملك ومقيد بنوع التصرُّف ومقيد بكل شَيْء، عنْدَما يَكُون لي مال هل أملك مطلق التصرف فيه؟ لا، أتصرف فيه بنوع معين وعلى حدود معينة، لِذَلك لَيْسَ ملكي تامًّا من كل جهة، فلهَذَا نقول: الملك المطلَق لله وحده، وملكي أنا يضاف إليَّ لكنَّه ملك مقيد محدد، فإن ملكت العين والمنفعة سميت مالكًا، وإن ملكت المنفعة دون العين سميت مستأجرًا، وهَكَذا كل نوع من الملك له اسم خاص.

وقَوْلهُ: {مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (الأيمان) جمع يمين وهي مقابل الشِّمال، لكن هل معنى ذَلِك أن الْإِنْسَان يملك عبدَه بيده اليمنى فقط والَيْسَرى لا تملك؟ الجواب: لا، هَذَا تغليب مثل قَوْله تَعَالَى: {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: ٣٠]، فلمَّا كَانَ الغالِب في الأخذ والإعطاء والبيع والشِّراء والعَمَل باليد اليمنى قَالَ: {مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} فأضاف الله سبحانه وتعالى الملك إلى الْيَمِين، وإلا فالحَقيقَة أنا مالكه لَيْسَ بيميني فقط.

وقَوْلهُ: {فَكَاتِبُوهُمْ} هَذَا أمر، وهل الْأَمْر هُنا للوُجوب أو للاستحباب؟ اختلف فيه أهْل العِلْم، فالجمهور على أن الْأَمْر للاستحباب، وحجتهم في ذَلِك أن العَبْد مملوك لك، ولا يَجب عَليْك إخراج ملكك إلا برضًا منك، فكَما أن الْإِنْسَان لا يَجبر على بيع بيته وعلى بيع دابته لا يَجبر كَذلِكَ على بيع عبده، فإذا طلب مني المكاتبة فأنا حر لأنَّه مالي، ولهذَا سماه الله تَعَالَى ملكًا فلا يَجبر على إخراج ملكه من ملكه "لا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ" (١)، وإذا كَانَ كَذلِكَ فإن الْأَمْر هُنا للاستحباب.


(١) أخرجه أحمد (٥/ ٧٢) (٢٠٧١٤)؛ والبيهقي في الكبرى (٦/ ١٠٠) (١١٣٢٥)، عن عم أبي حرة الرقاشي.

<<  <   >  >>