للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وذهب بعض أهْل العِلْم ومنهم أهل الظَّاهِر إلى أنَّ الْأَمْر للوُجوب وأنَّ العَبْد إِذَا طلب المكاتبة فإنَّه يَجب على السيد إجابته، وَذلِك لأَن الأَصْل في الْأَمْر الوُجوب وقولهم: "إن المالك لا يَجبر على إخراج ملكه من ملكه" هَذَا لَيْسَ على إطلاقه؛ فإن المالك يَجبر على إخراج ملكه من ملكه في الْأُمُور الَّتِي أوجب الله، ألَيْسَ يَجب على الْإِنْسَان أن يخرج الزَّكاة وهو إخراج شَيْء من ملكه، ألَيْسَ يَجب علَيْه الْكُفَّارة، ألَيْسَ يَجب علَيْه الإنفاق على غيره من أقارب وزوجات وغيرهم، ألَيْسَ الْإِنْسَان إِذَا تعلق بماله حق الغرماء وصَارَ دينه أكثر من ماله يحجر علَيْه ويَجبر على أن يبيع ماله ويصرف إلى الغرماء.

فإِذَنْ عِبارَة: "لا يَجب على الْإِنْسَان أن يخرج ملكه من ملكه" لَيْسَت على إطلاقها، وما أكثر المَسائِل الَّتِي يَجبر فيها الْإِنْسَان على إخراج ملكه من ملكه.

فعَلَى كُلِّ حَالٍ نقول: هذه المَسْأَلة لَيْسَت على إطلاقها وكم من مسائل صَارَت واجبة وهي متضمنة لإخراج الْإِنْسَان ملكه من ملكه، وهَذَا في الحقيقَة دافع لما يحتج به الجمهور، ثم إنه يقوي أن الْأَمْر للوُجوب أنهم قالوا: إن الشَّارع متطلع إلى العتق، والرق وارد في الحقيقَة على البشر ولَيْسَ أصيلًا فيهم، فإذا أَرَادَ الْإِنْسَان أن يتخلص من هَذَا الرق ويعيد نفسه إلى الأَصْل فإن الشَّارع يتطلع إلى ذَلِك.

ولهذَا تجدون أن الشَّارع رغب في العتق كثيرًا حَتَّى إنه أخبر أن "مَنْ أَعْتَقَ رَقَبةً مُسْلِمَةً أَعْتَقَ الله بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْ النَّارِ حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ" (١)، وهَذَا


(١) أخرجه البخاري واللفظ له، كتاب كفارات الأيمان، باب قول الله تعالى: {أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} وأي الرقاب أزكى، حديث رقم (٦٧١٥)؛ ومسلم، كتاب العتق، باب فضل العتق، حديث رقم (١٥٠٩)، عن أبي هريرة.

<<  <   >  >>