للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الدُّنْيَا أي: متاعها، وسمي متاع الدُّنْيَا عرضًا لأنه يزول، وهَذَا أمر واقع، فإن متاع الدُّنْيَا كما وصفها الله عَز وجَلَّ قليل، فيزول عنك وتزول عنه، إِذَنْ فهو عرض يعني أمرًا عارضًا يزول.

وفي قَوْلهُ: {الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} إِشارَة إلى أن هُناكَ حياة أُخْرَى وهي حياة الْآخِرَة، والدُّنْيَا هل هي من الدُّنو المعنويّ أو من الدُّنو الزَمَنِيّ أو منهما جميعًا؟ منهما جميعًا، فهي من الدُّنو الزمني لأنَّها سابقة على الْآخِرَة، ومن الدُّنو المعنوي لأنَّها أقل بكثير من الْآخِرَة، قَالَ تَعَالَى: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (١٧)} [الأعلى: ١٦، ١٧]، وأخبر النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ فِي الجَنَّةِ خَيرٌو مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فيها" (١) "، موضع السوط يعني ما يقارب مترًا خير من الدّنْيَا وما فيها، أي دنيا هي؟ هل هي دنياك الَّتِي تعيشها أنت أو كل الدُّنْيَا؟ كل الدُّنْيَا من أولها إلى آخِرها مهما طاب عيشها، فموضع سوط أحدنا في الجَنَّة خير منها وما فيها، فهي دنية بالنِّسْبَةِ للمرتبة.

إِذَنْ الدُّنْيَا زمنًا ومعنى، أو إن شئت فقل: مرتبة وهي المَعْنى، فكَيْفَ يُرِيد الْإِنْسَان هَذَا العرض الزائل من هذه الحَياة الدُّنْيَا على حساب الحياة الْآخِرَة، لا شَكَّ أن هَذَا نقص في العَقْل أو نقص في الإِيمَان، أما رجل مُؤْمن لا يُمْكِن يفضل الدُّنْيَا على الْآخِرَة إطلاقًا، ولهَذَا خطب أمير المُؤْمِنِينَ عمر بن عبد العزيز رَحَمَهُ الله ذات يوم ووعظ النَّاس وقال: "أَمَّا بَعْدُ، فَإِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ بِالْآخِرَة فَأَنْتُمْ حَمْقَى، وَإِنْ كُنْتُمْ مُكَذِّبِينَ بِهَا فَأَنْتُمْ هَلْكَى" (٢)، هَذَا صحيح، يعني المخالف لشريعة الله بين أمرين:


(١) أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، حديث رقم (٣٢٥٠)، عن سهل بن سعد الساعدي.
(٢) أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء (٥/ ٢٩٠).

<<  <   >  >>