للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حينما رأى النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - زحامًا ورأى رجلًا قد ظُلّل علَيْه فقال: "مَا هَذَا؟ "، قَالُوا: صَائِمٌ، قَالَ: "لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ".

فإذا وصلت الحال بالصائم في سفره إلى مثل هَذَا الرَّجل قُلْنا له: لَيْسَ من البر، وما عدا ذَلِك فلا نقول: إنه لَيْسَ من البر؛ لأَن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يصوم في السَّفَر ولا يصنع شيئًا لَيْسَ ببر، وكان أيضًا يُقِرّ أصْحابه على أن يصوموا في السَّفَر إِذَا لم يصلوا إلى حال هَذَا الرجل، فالعبرة بعُموم اللَّفْظ.

وقَوْلهُ: {وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ} (من) هذه شرطية، وأَسْماء الشَّرط من صيغ العُموم، فَكَما أن الأَسْماء المَوْصولَة من صيغ العُموم كَذلِكَ أَسْماء الشَّرط، يعني: أي إِنْسَان يُكره فتاته {فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، وفي قَوْلهُ: {مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ} إِشارَة إلى أنه لا بُدَّ من تحقق الإِكْراه، يعني بعد التحقق من الإِكْراه وألا يَكُون في قلبها أي ميل إلى ما أكرهها علَيْه فإن الله من بعد هَذَا الإِكْراه {غَفُورٌ} للمُكْرَهة لا للمُكْرِه، المُكْرِهُ عاص فلَيْسَ أهلًا للمَغْفِرة، ولهذَا نقول: إن جملة الشَّرط هُنا {فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} لم تعد إلى ما يَعود إلَيْه فعل الشَّرط؛ لأَن فعل الشَّرط يَعود على المُكْرِه لا المُكْرَه.

لكن جواب الشَّرط لم يعد على المُكْرِه بل على المُكْرَه وَذلِك للتلازم بين المُكْرِه والمُكْرَه إِذْ لا مُكْرِه إلا بمُكْرَه، فلِذَلك صح أن يَكُون جواب الشَّرط لَيْسَ عائدًا إلى ما يَعود علَيْه فعل الشَّرط، إنما هو عائد إلى شَيْء ملابس له وملازم له وهو المُكْرَه.

فالقاعِدَة العامَّة أن جواب الشَّرط يَعود على ما يَعود علَيْه فعل الشَّرط، لكن لَيْسَ ذَلِك بلازم بل قد يَعود على ملابسه وملازمه كما في هذه الآية، ولهَذَا نقول:

<<  <   >  >>