للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا لقوله، يدُلّ على ذَلِك مع هذه الآية قَوْله تَعَالَى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (١٠٦)} [النحل: ١٠٦]، في هذه الآية الْكَرِيمَةِ هل قَوْلهُ: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ} أي على الكفر بالقَوْل أو الكفر بالفِعْل أو بهما جميعًا؟ بهما جميعًا، ولم تخصص الآية القَوْل، ففي هذه الصُّورة الإِكْراه على البِغَاء، والبِغَاء فعل.

ولو سلمنا جدلًا أن قَوْله تَعَالَى في سورة النَّحل: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ} خاص بالإِكْراه على القَوْل -لو سلمنا جدلًا مع أننا لا نسلم- فإن هذه الآية لا يُمْكِن فيها التَّأويل ولا التَّخصِيص لأَن القَضيَّة في فعل.

فإن قَالَ قَائِل: فماذا تصنعون فيما يذكر من حديث صاحب الذباب الَّذِي مر على صنم هو وصاحب له وقال أصْحاب الصَّنم لأحدهما: قَرِّب، قَالَ: ما كنت لأقرب لأحد شيئًا دون الله عَز وجَلَّ فقتلوه، وقالوا للثاني: قرب ولو ذبابًا، فقرب ذبابًا فلم يقتلوه (١)؟

نقول في هَذَا: إن هذه القصَّة لا تصح، ثم لو فرض أنَّها صحيحة عن بني إسرائيل فإن ديننا ولله الحمد قد وضع الله فيه من الآصار والأغلال الَّتِي كَانَت على بني إسرائيل ما أوجب أن يَكُون دين السهولة والَيْسَر، ولهذَا كَانَ من صِفات الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - أنه يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال الَّتِي كَانَت عليهم، فكثير من الآصار والأغلال الَّتِي كَانَت على الأُمَم السَّابِقة رفعت عن هذه الأُمَّة.


(١) أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء (١/ ٢٠٣).

<<  <   >  >>