للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأنه كَانَ ينزل علَيْه الوَحْي وهو على الراحلة فتبرك به (١)، فما المانِع من أن يَكُون جُرمًا لكنَّه لَيْسَ كالأجرام المعْرُوفة، والله أعلم.

والله تَعَالَى يجعل الْأُمُور المعنويَّة أمورًا حسية، ألم تر إلى الموت يوم القِيامَة يُمثل بكبش يشاهده النَّاس من أهل النَّار ومن أهل الجَنَّة ويُذبح أمامهم (٢)، كما أن الأعْمَال توضع في الموازين يوم القِيامَة، والأعمال أصلها معانٍ لا أجرام، والله سبحانه وتعالى على كل شَيْء قدير، وقدرته تَعَالَى فوق عقولنا.

فهَذه الآية فيها دَليل صريح على أن الله أنزل القُرْآن من عنْدَه وأن النُّزول لَيْسَ بمَعْنى الوَحْي فقط، بل هو معنى خاص أخص من الوَحْي.

وقَوْلهُ: {آيَاتٍ} جمعها، وحَقِيقَة الْأَمْر أنَّها كَذلِكَ؛ لأَن القُرْآن لَيْسَ حكمًا واحدًا ولا خبرًا واحدًا، أَخْبار كَثيرَة وأحكام كَثيرَة، فهو {آيَاتٍ} بمَعْنى عَلامَات، عَلامَات على عظمة من أنزلها وعلى صدق من جاء بها - صلى الله عليه وسلم -.

ووجه كونها آيات، أنك إِذَا تأملت الأَحْكام الَّتِي جاءت بها هذه الآيات وجدتها مطابقة تمامًا فيما هو مراد ودفع الضرة فيما لَيْسَ بمراد، ووجدت أيضًا أن أَخْبارها في غايَة ما يَكُون من المصْلَحة والمنفعة، ووجدت لها تأْثِيرًا بالغًا، ومن جملة تأْثِيرها حفاوة الأُمَم الَّذينَ كانوا يناضلون الإِسْلام فدخلوا في دين الله أفواجًا


(١) أخرجه البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب القراءة على الدابة، حديث رقم (٥٠٣٤)؛ ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب ذكر قراءة النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - سورة الفتح يوم فتح مكة، حديث رقم (٧٩٤).
(٢) أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: وأنذرهم يوم الحسرة، حديث رقم (٤٧٣٠)؛ ومسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها، حديث رقم (٢٨٤٩)، عن أبي سعيد الخدري.

<<  <   >  >>