بمجرد أنهم سمعوا القُرْآن ورأوا آدابه وأخلاقه، ثم إن هَذَا التأْثِير - لمن ألقى السمع أو كَانَ له قلب - تأْثِير لا يوجد له نظير.
فإذا صفي الذهن وأقبل الْإِنْسَان بقَلْبِه على القُرْآن مهما كَانَ حَتَّى ولو كَانَ غير مسلم لا بُدَّ أن يتأثر، قَدِمَ جبير بن مطعم المدينة، فسمع النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في المغرب بالطور فلمَّا بلغ: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (٣٥) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (٣٦)} [الطور: ٣٥، ٣٦]، فقال - رضي الله عنه -: كاد قلبي أن يطير.
ومن ذَلِك الوقت ألقى الله الإِيمَان في قلبه ثم أسلم بعدُ (١)، الَّذِي أثار هَذَا الرَّجل كثيرًا أنه سمع القُرْآن، فهَذَا دَليل على أن القُرْآن آيَات عَظِيمة تدُلّ على عظمة من أنزلها، وعلى صدق من جاء بها وَذلِك لما تضمنته من الأَحْكام العادلة الَّتِي تبهر العقول، ولا يُمْكِن لبشر أن يأتي بمثلها.
ومن الأَخْبار الصَّادقة النَّافعة وأَخْبار موجعة للنَّفْس ومريحة لها ونافعة للقلب أيضًا {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}[يوسف: ١١١].
وقَوْلهُ:{مُبَيِّنَاتٍ} أي: تبين الحقّ من الباطل وتفصل بينهما وتميز بينهما، ثم أيضًا تبين الأَحْكام بنفْسِها، لكن منها ما يحتاج إلى بَيان من غيره ومنها ما هو بَيِّن بنَفْسِه، ففي هَذَا إِشارَهَ إلى أنه لا يوجد في الشَّرع أمر مشكِل بحسب الواقِع؛ لأَن الإِشْكال الَّذِي يقع في المَسائِل الشَّرْعِيَّة لَيْسَ لقُصور في النُّصوص ولكن لقُصور في الفَهْم أو قُصور في العِلْم، قد يَكُون الْإِنْسَان قاصِر العِلْم لا يحيط بالنُّصوص كلها،
(١) أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب تفسير سورة (والطور)، الحديث رقم (٤٨٥٤)، عن جبير بن مطعم.