للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهل هَذَا التَّشبِيه مستقل عما قبله أو هو في ضمن ما قبله؟

الَّذِي أرى -وهو أبلغ- أن يَكُون في ضمن ما قبله؛ لأجل أن يَكُون التَّشبِيه مركبًا من الصُّورة كاملة، {الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ} إِذَنْ هَذَا تشبيه تمثيل بمَعْنى أن الله شبه النُّور الَّذِي في قلب المُؤْمِن بهَذ القَضيَّة كلها (مشكاة فيها مصباح) والَّذِي يقابل المشكاة هو الْقَلْب، والنُّور الَّذِي يقذفه الله في قلبه مع نور الإِيمَان هو المصباح، لكن هَذَا المصباح مركب في زجاجة والزجاجة صافية لامعة {كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} ووقود هَذَا النُّور {مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ} زيتها صافٍ وجيد، فصَارَت مادة النُّور جيدة، وكَذلِك محله جيد، وكذاك وقايته جيدة؛ لأَن الزجاجة تقي النُّور وتصفيه.

فالنُّور إِذَا لم يكن في زجاجة -كما هو معْلُوم- يَكُون مضطربًا وَيكُون غير صافي، فتجد أن هَذَا النُّور قد كملت فيه أَسْبَاب الصَّفاء من حيث الوقود والمكان، وكَذلِك أَسْبَاب الشُّمول والقوة من حيث كونه في مشكاة، النُّور الَّذِي في قلب المُؤْمِن مثل هَذَا، ولكن المُراد المُؤْمِن كامل الإِيمَان في الحقيقَة.

فأما المُؤْمِن ناقص الإِيمَان فإنَّه ينقص من نوره بمقدار ما نقص من إيمانه، يعني لا تظن أن هَذَا التَّشبِيه لكل قلب مُؤْمن، بل المُراد المُؤْمِن الكامل الإِيمَان، فإن الله تَعَالَى يجعل في قلبه هَذَا النُّور العَظِيم، وَذلِك أمر معْلُوم، كلما قوي إيمان العَبْد وكلما قوي طلبه للحق فإن الله تَعَالَى يهديه ويزداد نوره، وكلما ضعف إيمان العَبْد أو ضعف طلبه للحق فإنَّه يضعف نوره، ولهذَا قَالَ الشَّافعي رَحَمَهُ اللَّهُ (١):

شَكَوْتُ إلَى وَكِيعٍ سُوءَ حِفْظِي ... فَأرْشَدَنِي إلَى تَرْكِ المعَاصِي


(١) ديوان الشافعي (٧٢).

<<  <   >  >>