وقوله رَحَمَهُ اللَّهُ:[أَي يُصَلِّي]؛ هَذَا فيه نظرٌ إن قُصِدَ بِذَلِك حصرُ التَّسبيح بالصَّلاة، وإن قُصِدَ بِذَلِك التَّمثيل فهَذَا صحيحٌ؛ فإن قَوْلهُ:{يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا} أعم من كونهم يصلون بل هم يسبحون الله بالصَّلاة وغيرها مما يَكُون به تنزيهُ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
قَوْلهُ:{بِالْغُدُوِّ} الغدو؛ يَقُول المُفَسِّر رَحَمَهُ اللَّهُ: [إنها مصدر، غدا يغدو غدوًا لكنَّه بمَعْنى الجمع؛ أي: بمَعْنى الغدوات، يعني: أول النَّهار، وإنَّما لجأ المُفَسِّر إلى جعل الغدو بمَعْنى الغدوات لمطابقة {وَالْآصَالِ}؛ لأَن الآصال جمع أصيل؛ وهو آخر النَّهار، وقوله رَحَمَهُ اللَّهُ:[هي العشايا]؛ العشايا: جمع عَشِيّ أيضًا، وهو ما كَانَ بعد الزوال، وفي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في قصة ذي اليدين: أَنَّ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى إِحْدَى صَلَاتِي الْعَشِيِّ (١)، يَكُون بالغدو: صلاة الفجر، والعشي: صلاة الظهر والعصر، ويبقى المغرب والعشاء؛ وهما مما يُصلَّى في الليل.
وأن الصَّواب في ذَلِك أن التَّسبيح أعم من الصَّلوات، ثم إنه يحتمل أن يُقصد {بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} جميع الوقت كما في قَوْله تَعَالَى في أهل الجَنَّة: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا}[مريم: ٦٢]؛ الرزق لأهل الجَنَّة دائم وليس في الصُّبح وآخر النَّهار فقط، فهو دائم، لكن يُقال: بكرة وعشيًّا والمُراد الدوام، فإما أن تُحمل {بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ}
(١) أخرجه البخاري، كتاب الصلاة، باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره، حديث رقم (٤٨٢)، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له، حديث رقم (٥٧٣)؛ عن أبي هريرة.