الفَائِدة الثَّامِنَة: فضيلة التَّسبيح في الصَّباح والمساء إِذَا قُلْنا إن المُراد بالغدو والآصال هَذَيْنِ الوقتين، فإذا قُلْنا المُراد بالغدو والآصال معناه: الاستمرار دائمًا وإنَّما ذكر هَذَان لأنهما طرفا النَّهار لم يكن في هَذَا دَليل على تَخْصِيص هذين الوقتين، ولكن الظَّاهِر من الأدلَّة أن لهَذَيْنِ الوقتين مزية؛ لأَن الله دائمًا يأمر بالتَّسبيح في هَذَيْنِ الوقتين.
الفَائِدة التَّاسِعَة: انه كلما قوي الصَّارف ولم ينصرف الْإِنْسَان فهو أكمل ممَّن لا صارف له، فهَؤُلَاءِ الرِّجَال لو كانوا لا يعرفون التجارة ولا يستطيعون التجارة قُلْنا: إن لجوءهم إلى بيوت الله من باب الضَّرورة يعني لأجل أن يقضوا الوقت عن أنفسهم ويتسلوا بِذَلِك، لكنهم قومٌ لهم تجارة، فالصَّارف عن ذكر الله في المَسَاجِد موجود وهو التجارة، لكنهم مع ذَلِك لا تلهيهم.
الفَائِدتان العاشرة والحَادِيَة عشرة: جَواز الاتِّجار؛ وجهه أنَّه أثبت أنهم يتّجرون في مقام المدح، ولو كَانَ الاتّجار حرامًا أو مذمومًا ما صحّ أن يُؤتى به في سِيَاق المدح فالتجارة لا بأس بها، فلا يُقال لِلإنْسان لا تتّجر ولا تعمل، ولكن على كل حال للنَّاس أغراضٌ في تجارتهم، بعضهم يُرِيد بالتجارة أن تَكُون وسيلة له إلى الْآخِرَة، وبعضهم يُريدُونَ بالتجارة الدُّنْيَا فقط.
واختلاف النَّاس في هَذَا بابٌ واسع، فمن اتّجر ليكسب مالًا يُعين به محتاجًا ويتقرب به إلى الله ويفعل به مشاريع الخيْر هَذَا يُحمد عليه، ولِهَذَا جعله النَبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قريبًا للعلم النَّافع؛ حيث قَالَ:"لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ، رَجُلٌ أَعْطَاهُ الله مَالًا فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَاكِهِ فِي حَقِّهِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ حِكْمَةً فَهُوَ يَعْمَلُ بِهَا وَيَقْضِي بِهَا"(١)، ويتفرع على
(١) أخرجه البخاري، كتاب العلم، باب الاغتباط في العلم والحِكْمة، حديث رقم (٧٣)، ومسلم، =