للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَوْلهُ: {مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ} السَّحاب في الحقيقَة مراتب في الجو ولَيْسَ كما يغلب على ظننا أنَّه في طبقة واحدة، لا، بل في طبقات متباعدة جدًّا، وهَذَا يعرفه الْإِنْسَان إِذَا ركب الطَّائرة يجد أحيانًا سحابًا بينه وبين الطَّائرة من أسفل مثل ما بين السَّحاب والأَرْض، وسحاب فوقه بينه وبينه مثل ما بين الطَّائرة والأَرْض وهو بينهما، وهَذَا شَيْء معْرُوف ومشاهد، فالظَّاهِر والله أعلم أن قَوْلهُ: {مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ} مثل قَوْلهُ: {مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ} بمَعْنى أن السَّحاب يكاد يَكُون ملاصقًا لهذه الأمواج، ويُمْكِن أيضا أن يُراد بالسَّحاب ما يشمل الضَّباب؛ لأَن حَقِيقَة الْأَمْر أن الضَّباب سحاب لأَنَّه ينسحب على الأَرْض، فإذا وجد ذَلِك صَارَت الظُّلْمة واضحة جدًّا، ولا شَك أن الضَّباب يقرب من سطح البحر، سواء كَانَ قريبًا أو بعيدًا، لكن أيهما أَشَدّ؟ إِذَا قرب أَشَدّ.

قَوْلهُ: {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} انظر التهويل في هَذَا المثل يعني كَانَ يكفي أنْ يقولَ: {مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ}، لكن لأجل تهويله في النَّفس وبَيان عظمته، قَالَ: {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ}.

ثم ضرب مثلًا فقال: {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا}.

ما أقرب شَيْء لك؟ اليد مِنْ أقرب ما يَكُون إليك، بل هي أقرب شَيْء لك من الأعضاء المتحركة الَّتِي يُمْكِن أن تُرى، يُمْكِن أن تُخرج ويُمْكِن ألا تُخرج.

قَوْلهُ: {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} هل معنى {لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} أنَّه يراها بصعوبة أو لا يراها؟

يَقُول النَّحويون: إن (كاد) إِثْباتها نفي ونفيها إِثْبات، فإذا قلت: "لم أكد أفعل" فمعناه: فعلت لكن بَعْدَ بُعْدٍ، فقَوْلهُ: {لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} على هَذِهِ القاعِدَة؟ رآها لكن

<<  <   >  >>