للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مع بُعْد الرؤية وصعوبتها، لكن الظَّاهِر كما قَالَ: آخرون من النَّحويين: إن (كاد) مثل غيرها نفيها نفي وإِثْباتها إِثْبات، لكن هي بمَعْنى قارب، فإذا قلت: كدتُ أفعل، أي: قاربتُ أن أفعل، لكن فأنت لم تفعل لكن قاربت، ولِهَذَا هي عُدَّت عند النَّحويين من أفعال المقاربة، فمن نفى أن يقارب الشَّيء فإنَّه قطعًا لم يفعله، ومن أثبت أنَّه مقاربٌ له فهو أيضًا قطعًا لم يفعله؛ وهَذَا معنى قولك: قاربتُ الفِعْل؛ أي: ولم أفعل، فإذا قِيلَ: لم يكد يفعل كذا.

ولم يسبق ما يدُلّ على فعله فإنَّه لم يفعله؛ أي: إن وجدت قرينة تدُلّ على فعله فهَذ القرينة هي الَّتِي تدُلّ على الفِعْل، فلو قلت: وصلت إلى البلد ولم أكد أصل، دل ذَلِك على وصولك، والقرينة قولك: وصلت، وأما قولك: ما كدت فلا يدُلّ على الوصول، لكن إِذَا قلت: سرت إلى البلد ولم أكد أصل، لا يَكُون واصلًا ولا مقاربًا للوصول ما لم يوجد دَليل.

فإذا لم يسبق شَيْء يدُلّ على الفِعْل فإنَّه يقين لم يفعل، مثل قَوْل عمر - رضي الله عنه -: "مَا كِدْتُ أُصَلِّي الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتْ الشَّمْسُ تَغْرُبُ" (١)، يعني: ما قاربت صلاة العصر، لكن هل صلّاها أو لم يصلّها؟ لم يصلّها، يعني: ما قاربت صلاة العصر حَتَّى قاربت الشَّمس الغروب، فلمَّا قَارَبَتْ الشَّمسُ الغروب قَارَبَتْ صلاة العصر، هو - رضي الله عنه - لم يصل إلَّا بعد الغروب مع النَّبِيّ عَلِيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لكن كأنه في الأوَّل لم يتهيأ له أن يقرب من الصَّلاة فضلًا عن أن يصليها، المَعْنى أنهم شغلهم الْكُفَّار عن قرب غروب الشَّمس فما قارب أن يصلي، ومقاربة الصَّلاة بالتهيؤ لها أي: ما تهيأتُ


(١) أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الخندق، حديث رقم (٤١١٢)؛ عن جابر بن عبدِ الله.

<<  <   >  >>