جعل المُفَسِّر هُنا النُّور نورًا معنويًّا؛ أي: من لم ينوِّر الله قلبه بالعلم والإِيمَان فلا أحد ينور قلبه فما له من نور.
لو قَالَ قَائِلٌ: ما الغرض من مثل هَذِهِ الآيات الَّتِي يذكرها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، كقَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (٣٣)} [الرعد: ٣٣] وكقَوْلهُ: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ}[الأعراف: ١٨٦]، وكقَوْلهُ:"مَنْ يَهْدِ الله فَلَا مُضِلَّ لَهُ"(١)، وما أشبه ذَلِك، هل الغرض منها تقرير مذهب الجبرية كما استلوا بها أو الغرض شَيْء آخر؟
الجواب: قطعًا لَيْسَ الغرض من ذَلِك تقرير مذهب الجبرية؛ لأَن الجبرية مذهبهم باطل يبطله الحس والشَّرع والعقل والفطرة، لكن الغرض من ذَلِك ألا يعتمد الْأِنْسَان علَى نفْسِه وأن يلجأ دائمًا إلى الله عَزَّ وَجلَّ في طلب الهداية وطلب النُّور وطلب التَّوفيق وغير ذَلِك، وإلَّا فمن المعْلُوم أن الله لا يقرر أمرًا باطلًا يبطله بالعقل والحس.
فعلى كل حال يَقُول الله عَزَّ وَجَلَّ: إِذَا لم يجعل الله لِلإنْسان نورًا يهتدي به فما له من نور، وقد أتى بالجُمْلَة الأسْمية الدالة على الثُّبوتِ والاستمرار {فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} وأكّد انتفاء النُّور عنه بـ {مِنْ} الزائدة في قَوْلهُ: {مِنْ نُورٍ}؛ لأَن {مِنْ} زائدة و {نُورٍ} مُبْتَدَأ مؤخر؛ أي: فلَيْسَ له نورٌ.
فإذن نعلم بهَذَا أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو الَّذِي يتصرف في ملكه كما يشاء، وأن من أعطاه الله النُّور فهو على نور من ربه، ومن لم يعطه الله نورًا فما له من نور، ومن أين يأتيه النُّور وقد حجب الله النُّور عنه.
(١) أخرجه مسلم: كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، رقم (٨٦٧).