للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وما الحكْمَةُ من تَخْصِيص الأَزْواج بهَذَا الحُكْم دون غيرهم من القَذَفَة؟

تَقَدَّمَ أن هَذَا من حِكمة التَّشْريع، والحكْمَةُ أن الزَّوج لا يُمْكِن أن يَقْذِفَ زوجتَه بالزِّنَا إلا والْأَمْرُ كما قَالَ؛ لأَن زنا زَوْجَته عارٌ عليه؛ لأنَّها حَرْثُه، فإذا قذفَها بالزِّنَا أصبح الْأَمْر شديدًا وعَظِيمًا، إِذْ إنَّ هَذَا يُوجِبُ التشكيكَ في أولاده عند النَّاس، ويوجبُ العارَ علَيْه حيث يُقال: هَذَا الرَّجل ديوث كَانَ يقرُّ الْفَاحِشَة في أهله؛ لأَن النفوسَ قد تقول: لَيْسَت هَذ أول مرةٍ يعثر، فهو لن يعثرَ إلا في المرة الثَّانية والثَّالِثَة، وما أشبه ذَلِك، إِذْ إنَّ الزِّنَا عادةً لا يأتي علنًا، بل يأتي سرًّا، والسِّرُّ لا يظهر في أول مرة.

فلمَّا كَانَ زنا الزَّوْجَة عارًا على الزَّوج صَارَ لا يُمْكِن أن يَقْذِفَ زوجتَه بالزِّنَا إلا والْأَمْر كما ذكر، ولهَذَا خُصَّ من بين سائر القاذِفين بهَذَا الحُكْم، وهل يُعتبر قذفُه رميًا أو شَهادةً؟ يُعتبر شَهادةً.

الفَائِدة الثَّانية: أنَّه لا يصِح اللِّعان إِذَا قَذَفَ أجنبيةً ثم تزوجها، أي: لو قذفَ امرأةً أجنبيةً ثم تزوَّجها فلا لِعانَ؛ لقَوْلهُ: {يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} وإنما يحدُّ للقَذْفِ.

الفَائِدة الثَّالِثَة: عمومُ الآيَة في قَوْلهُ: {أَزْوَاجَهُمْ} يشملُ ما قبل الدُّخول وما بعده، فلو عَقَدَ على امرأةٍ ثم رماها بالزِّنَا أُجْرِيَ بينهما اللِّعانُ؛ لأنَّها زوجتُه.

الفَائِدة الرَّابِعَة: أنَّ رَمْيَ غيرِ الزَّوْجَة ولو كَانَت الأم أو البنت أو الأخت ممَّن يلحقهم عارُه فهو لَيْسَ كقذف الزَّوْجَة، بمَعْنى أن الرَّجل لو قَذَفَ أقربَ النَّاس إلَيْه بالزِّنَا طُبِّقَ علَيْه أحكامُ القاذِفين الثَّلاثَة السَّابقة بخلاف الزَّوج، ووجه ذَلِك ما سبق من الإِشَارَة إلى الحكْمَةُ.

<<  <   >  >>