منها ما ينزل بمشيئة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وحكمته على هَذِهِ الأَرْض؛ ولِهَذَا قَالَ:{فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ}.
هَذِهِ الجُمْلَة: هل هي لبَيان الامتنان أو لبَيان العُقوبَة أو تحتمل؛ لأَن قَوْلهُ:(يصرف) قد يتبادر لِلإنْسان أن المُراد بالإصابة في أول الآية إصابة العُقوبَة كما يُقال: صرف الله عنك السوء وكما جاء في الحَديث: "وَاصْرِفْ عَنِّي سِيِّئَ الْأَخْلَاقِ وَالْأَعْمَالِ"(١)؛ فلا يعبَّر بالصرف إلَّا عن شَيْء مكروه، وعلى هَذَا فتكون جملة {فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ} مسوقة لبَيان العُقوبَة الَّتِي تحدث بهَذَا البرد.
ويحتمل أن تَكُون من باب الامتنان؛ فإن البرد قد يَكُون خيرًا وقد يحصل به ري الأَرْض ونبات الأشجار وغير ذَلِك، فيَكُون هَذَا من باب سِيَاق الامتنان يصيب بهَذَا البرد من يشاء فينتفع به {وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ} فيفوته الانتفاع، ولا مانع من أن يُستعمل الصَّرف في صرف الشَّيء النَّافع، وإن كَانَ أكثر أن يَكُون في صرف الأَشْيَاء الضارَّة، لكن قد يُستعمل أيضًا في صرف الأَشْيَاء الَّتِي تنفع، وهَذَا من بلاغة القُرْآن أن تَكُون هَذِهِ الجُمْلَة صالحة للوجهين: وجه العُقوبَة ووجه الرَّحمة، فالإصابة بالبرد أحيانًا تَكُون عُقوبَة تهلك بها الزروع وتموت بها المواشي، وأحيانًا بالعَكْسِ.