وتخلَّف النَّصر في غزوة حُنَين لنقص الإِيمَان، وهو الاعتماد على الله عَزَّ وَجلَّ بل اعتمدوا على قوتهم وكثرتهم، وقالوا: لن نُغلب اليْوم من قلة، فغلبوا من قلة، فهَذَا دَليل على أنَّه متى تخلف أحد الوصفين: الإِيمَان أو العَمَل الصَّالح، فإنَّه يتخلف من هَذَا الوعد بقدر ما تخلف من هَذَيْنِ الوصفين.
الْأَمْر الثَّاني: مما وعد الله به المُؤْمِنِينَ: {وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ} وهَذَا هو قرة أعينهم قرة أعين المُؤْمِنِينَ أن الله يُمْكِن لهم دينهم الَّذِي ارتضى لهم، وأن يَكُون الإِسْلام هو المتمكِّن وهو الظَّاهِر وهو الغالِب هَذِهِ قرة عيون المُسْلِمِينَ، وهي إن لم تكن مثل الأولى فهي أولى منها، بالنِّسْبَةِ للمُؤْمن حقًّا الَّذِي يُرِيد الإِيمَان والْإِسْلَام، فلو سُئل المُؤْمِن: ماذا تتمنَّى؟ لم يقل: أتمنى أن يَكُون لي سيارة فخمة وقصر مشيد وما أشبه ذَلِك، قَالَ أتمنى أن أجد الإِسْلام هو العالي وهو المتمكن في الأَرْض، هَذِهِ أمنيته، وهَذه أمنية عليا لكل مُؤْمن.
وفي قَوْلهُ:{دِينَهُمُ} الإضافَة إلَيْهم فيها نوع من التَّخصِيص نوع من الفخر والإعزاز، يعني: الدِّين الَّذِي اختاروه لأنفسهم وصَارَ خاصًّا بهم.
ثم في قَوْلهُ:{الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ} في هَذَا أيضًا ميزة أُخْرَى بأن هَذَا الدِّين الَّذِي اختاروه هو الدِّين الَّذِي ارتضاه الله لهم أيضًا، فصَارَ هَذَا الدِّين ميزة وغبطة
(١) أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب، حديث رقم (٣٠٣٩)؛ عن البراء بن عازب، ولفظه: جعل النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - الرِّجَالة يوم أحد، وكانوا خمسين رجلًا عبد الله بن جبير، فقال: "إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حَتَّى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا هَزمنا القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا حَتَّى أرسل إليكم".