للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

للمُؤْمِنِينَ من ناحيتين، أولًا: أنَّه هو الَّذِي سلكوه واختارُوه لأنفسِهم، والشَّيء الثَّاني: أن الله ارْتضاهُ لهم أيضًا ليدينوا لله به، فيَكُون فيه مزيتان: مزية من جهة السالك في قَوْلهُ: {دِينَهُمُ}، ومزية من جهة الشَّارع في قَوْلهُ: {الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ}؛ فهم رضوا هَذَا الدِّين، وربهم رضيه لهم، فكان هَذَا الدِّين الَّذِي ارتضوه لأنفسهم ورضيه الله لهم، فأعز شَيْء عليهم أن يُمْكِن الله لهم هَذَا الدِّين، وهَذه نتيجة ثانية لِلْإيمَانِ والعَمَل الصّالح: الأوَّل: الاستخلاف في الأَرْض، والثَّاني: أن يُمْكِن الله لهم الدِّين ويثبته ويقويه ويجعله الأعلى على غيره.

قَوْلهُ: {وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} يَقُول المُفَسِّر رَحَمَهُ اللَّهُ: (فيها قراءتان: التخفيف "وَلَيُبْدِلَنَّهُمْ" (١) والتشديد {وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ}، وهما بمَعْنى واحد أو مع اختلاف يسير).

قَوْلهُ: {مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} أتى بقَوْلهُ: {مِنْ بَعْدِ} ولم يقل: بخوفهم أمنًا لِتُحقق الخَوْف الأوَّل، ثم يأتي من بعده الأَمْن وظهور نعمة الأَمْن، وفَائِدَته بعد الخَوْف أبلغ من ظهور أمنٍ على أمن، لأَنَّه لا تعرف قيمة الأَشْيَاء إلَّا بضدها، فإذا قدر أن هَذَا الْإِنْسَان في خوف ثم أبدل بعد الخَوْف أمنًا ظهر لِهَذَا الأَمْن من الأثر في نفْسِه ما هو أبلغ مما لو كَانَ أمنًا على أمن، ولذَلك الآن هَؤُلَاءِ الشَّباب من بنينا الَّذينَ عاشوا في هَذَا الظل الوارف والنَّعيم الوافر من الإطعام من الجوع والأَمْن من الخَوْف؛ هل يقدِّرون نعمة الله هَذَا الأَمْن؟ أبدًا لا يقدرون نعمة الشِّبع، بالنِّسْبَةِ إلَيْهم كأنه أمر عادي خلقوا علَيْه ولن يتبدل، لكن من ذاق ألم الجوع ورهبة الخَوْف ممَّن سبقونا ثم أدركوا هَذَا النَّعيم يعرفون قدر هَذَا النَّعيم، الَّذينَ كانوا يبيتون ليالي


(١) البدور الزاهرة في القراءات العشر المتواترة (ص: ٢٢٥).

<<  <   >  >>