مع الصَّحيح ولا حرج عليه؛ لأَنَّه قد يَقُول الأعرج: أنا رجلي مائلة، وإذا قعدت أخذت مكان رجلين، فلَيْسَ علَيْه حرج. هَذَا ما ذهب إلَيْه بعضهم؛ أن المراد: لَيْسَ عليهم حرج في الأكل مع غيرهم، وعلى هَذَا تَكُون {عَلَى} في قَوْلهُ: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى} مَعْنى: (في)؛ يعني: لَيْسَ في الأعمى حرجٌ في مؤاكلَتِه، ولا في الأعرج حرجٌ، ولا في المريض حرج.
وقال آخرون: المراد: الجهاد؛ {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ} يعني: في ترك الجهاد، ولا على الأعرج حرج في ترك الجهاد، ولا على المريض حرج في ترك الجهاد، قالوا: والدَّليل على ذَلِك أن الله ذكر بعد هَذِهِ الآية قَوْلهُ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ}[النور: ٦٢] إلى آخر الآيَات؛ فإنها في الجهاد، وتكون هَذِهِ الآيَات مقدّمة لذكر الجهاد، ولكن صُدّرت بها آية الأكل من البُيُوت المذكورة للتمهيد والتوطئة والتَّنْبيه؛ لأنَّه إِذَا جاء كلام في غير محَلِّه المرتقب لا بُدَّ أن ينتبه ويبحث عن السَّبَب، بخلاف ما إِذَا جاء الكَلام على نسق واحد؛ فإنَّه قد ينساب معه، ولا يتفهم المعاني.
ومن فَائِدَة الالْتِفات هو تنبيه المخاطَب أو السَّامع، وهنا أيضًا وضعت هَذِهِ الجُمْلَة:{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} في هَذَا المحل قبل ذكر آيات الجهاد ليتنبه القارئ؛ حيث خرجت المَسْأَلة عما هو متبادر ومتوقع.
المُهِمّ أن هَذَا قَوْل آخر؛ أن المراد: لَيْسَ عليهم حرج في ترك الجهاد، وقالوا: هَذَا كقَوْله تَعَالَى في سورة الفتح: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ}[الفتح: ١٧]؛ فإنها في الجهاد بلا ريب.