وقال آخرون:{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} في ترك أي عبادة تَكُون فيها هَذِهِ الأعذار مانعة، فكل عبادة تمنع منها هَذِهِ الأعذار، فإنَّه لا حرج عليهم في تركها، فتكون الآية أعم من الجهاد وغيره، بل كل عبادة سبب تركها أو الإخلال بها أحد هَذِهِ الأوصاف الثَّلاثة، فإنَّه لا حرج عليهم فيها، قالوا: وهَذَا مقتضى الأدلَّة الشَّرْعِيَّة، قَالَ تَعَالَى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الحج: ٧٨] فإذا ترك الْإِنْسَان عبادة أو أخلّ بها لعذر العمى فلا حرج عليه، أو لعذر المرض فلا حرج عليه، أو لعذر العرج فلا حرج عليه، فتكون الآية عامَّة في الأكل أو المؤاكلة، كما قَالَ المُفَسِّر رَحَمَهُ اللَّهُ، وكَذلِك أيضًا في ترك الجهاد، وكَذلِك فيما يشترط له المشي وهو أعرج لا يسْتَطيع، أو يشترط له الصِّحة وهو مريض لا يسْتَطيع، أو يشترط له البصر وهو أعمى لا يسْتَطيع، فكل هَذَا لَيْسَ عليهم فيه حرج.
لكن على هَذَيْنِ الرَّأْيَيْنِ الآخرين يبقى ما هو وجه مناسبة صدر الآيَة مع آخِرها؟
المناسبة أنَّه كما هو معْلُوم أن هَؤُلَاءِ لا حرج عليهم فيما يشترط فيه السَّلامة من هَذِهِ الْأَمْراض، فإن كَذلِكَ لا حرج عليكم فيما يأتي، فيَكُون الغرض التمهيد لنفي الحرج في الآتي، يعني: كما أنَّه معْلُوم أن هَذِهِ الأَشْيَاء أعذار تمنع من الحجر بدون أي مجادلة، فكَذلِكَ أيضًا لَيْسَ عليكم حرج في الأكل من بيوتكم ... إِلَى آخِرِهِ.
إِذَنْ هَذِهِ الآيَة:{وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا} لَيْسَت متعَلِّقة بالتي قبلها، لأنَّها لو كَانَت متعَلِّقة لكان المَعْنى: لَيْسَ على الأعمى حرج أن يأكل من بيته، ولا على الأعرج حرج أن يأكل من بيته، ولكنَّنا قُلْنا: إن الآيَة عامَّة، يعني لَيْسَ على هَؤُلَاءِ حرج فيما تَكُون هَذِهِ العلل عذرًا لهم في تركه.