للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المرتبة الثَّانية: أن تعلم عدم رضاه؛ فلا تأكل لا من هَذِهِ البُيُوت ولا من غيرها؛ لقول النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ" (١).

المرتبة الثَّالِثَة: ألا تعلم رضاه من عدم رضاه، فهُنا يُفَرّق بين من ذُكر وغيرهم، فيُقال: تأكل من بيوت هَؤُلَاءِ؛ لأَن الغالِب رضاهم، لِوُجود صلة بينك وبينهم من القرابة أو الصَّداقة أو الائتمان، يعني حَقِيقَة الْأَمْر أن الأكل من هَذِهِ البُيُوت ترجع إلى ثلاثة أشْيَاء: إما قرابة أو ائتمان أو صداقة؛ فالقرابة ذُكروا، وأما الائتمان ففي قَوْلهُ: {أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ}، وأما الصَّداقة ففي قَوْلهُ: {أَوْ صَدِيقِكُمْ}؛ ففي حالة عدم العِلْم بالرضا والسخط نقول: يجوز الأكل من هَذِهِ البُيُوت دون غيرها.

وأما اشتراط المُفَسِّر علم الرضا فلا وجه له؛ لأنه لو اشترطنا ذَلِك لم يكن بينها وبين البُيُوت الأُخْرَى فرق، لو فُرض أن صديقًا لك أدخلك بيته ووجدت في مجلس القهوة أكلًا وأكلت بدون أن تستأذن؛ فهل يجوز أو لا؟

نقول: يجوز، وهَذَا هو معنى الآية. المُفَسِّر رَحَمَهُ اللَّهُ يرى أنَّه لا يجوز إلَّا إِذَا علمت أنَّه يرضى بِذَلِك، والصَّحيح: أنَّه لا يُشترط العِلْم بالرضا، لكن لو علمنا أن هَذَا الرَّجل شحيح لا يرضى أن تأكل شيئًا أبدًا من ماله إلَّا ما قدّمه ففي هَذِهِ الحال لا يجوز الأكل للحديث الَّذِي أشرنا إلَيْه؛ فالصَّديق سواء دعاك أو لم يدعُك، وسواء أَرَادَ أن يقدم لك كرامة أو لم يرد، فمتى دخلت بيت صديقك فلك الأكل، ما لم تعلم أنَّه لا يرضى بِذَلِك.


(١) أخرجه أحمد (٥/ ٧٢) (٢٠٧١٤)؛ والبيهقي في الكبرى (٦/ ١٠٠) (١١٣٢٥)، عن عم أبي حرة الرقاشي.

<<  <   >  >>