ولكن لقائل أنْ يقولَ: إن الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أب للمُؤْمِنينَ؛ فهو كالرّجل يضحي عن أهل بيته.
وكَذلِك الحج حيث إن امرأة سألت النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، قالت إن أباها أدركته فريضة الله علَى عِبَادِه في الحج شيخًا، لا يسْتَطيع الركوب على الراحلة، أفأحج عنه؟ قَالَ:"نعمْ"(١)، ذلك في حجة الوداع؛ فإذا كَانَ للمهدي إلَيْه أو للإنْسان أثر في العَمَل أو في العامِل انتفع به.
لكن إِذَا لم يكن له أثر فيهما، مثل أن يتبرع قريب لقريبه أو صديق لصديقه بعمل صالح، فهل يجزئ ذَلِك أو لا يجزئ؟
اختلف في ذَلِك أهْل العِلْم؛ فالجمهور يَقُولُونَ: إنه يجزئ، وأن الْإِنْسَان لو عمل عملًا صالحًا وجعل ثوابه لشخص من المُسْلِمِينَ؛ فإنَّه يَنتفِع به، وهَذَا هو المَشْهُور من مذهب الْإِمَام أحمد، على أن أي قربة أو طاعة يتقرب بها العَبْد إلى الله ويجعل ثوابها لمسلم حي أو ميت؛ فإنَّه يَنتفِع بِذَلِك، ودليلهم على هَذَا قياس غير الأولاد على الأولاد، وقياس ما عدا الأموال على الأموال، وَيقُولُونَ: المُهِمّ أن يصل الثَّوابُ إلى الميت من غيره، قالوا: لأنَّه إِذَا جاز أن يصل عمل غير الْإِنْسَان فلا فرق بين أن يَكُون ولذا أو غير ولد؛ الشَّأن: هل يَنتفِع الْإِنْسَان بعمل غيره.
والَّذينَ قالوا بالمنع، قالوا: إن الْوَلَد لَيْسَ كغيره؛ لأَن الْوَلَد من أثر الْإِنْسَان ومن كسبه وفعله، ولَيْسَ كالأخ والقريب والصَّديق ونحوه، أما الدُّعاء للمُسْلِمين
(١) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب الحج عمن لا يستطيع الثبوت على الراحلة، حديث رقم (١٨٥٤)، ومسلم، كتاب الحج، باب الحج عن العاجز لزمانة وهرم ونحوهما أو للموت، حديث رقم (١٣٣٥)؛ عن العباس بن الفضل.