للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من التَّهدِيد، يعني: قد يعلم الَّذينَ يتسلَّلُون؛ فليحذر هَؤُلَاءِ أن يخالفوا أمر الله عَزَّ وَجلَّ، أي: عن أمر الله، والمعنيان لا منافاة بينهما، لأَن أمر الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - من أمر الله تعالى، فمن خالف عن أمر الله فهو مهدد بهَذَا الوعيد، ومن خالف عن أمر الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - فهو مهدد بهَذَا الوعيد، وهَذَا من بلاغة القُرْآن، حيث يأتي اللَّفْظ صالحًا لمعنيين فيشمل هَذَا وهَذَا، فالسِّيَاق يؤيد أنَّها للرَّسول عَلِيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وآخر مذكور يؤيد أنَّها لله، ولكن مثل ما أشرنا إلَيْه سابقًا أن أمر الله وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - شَيْء واحد.

وقَوْلهُ: {أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} فسَّر المُفَسِّر رَحَمَهُ اللَّهُ الْفِتْنَة بالبلاء والعَذاب الأليم في الْآخِرَة، وفي هَذَا نظر ظاهر، فإن الْفِتْنَة لا تطلق على البلاء، إنما تُطلق - كما سبق - على الصَّدِّ عن دين الله، فمعنى الْفِتْنَة - كما قَالَ الْإِمَام أحمد رَحِمَهُ اللهُ -: الشِّرك؛ لأَن الْإِنْسَان إِذَا رد بعض قَوْل الرَّسُول عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وخالف عن أمره فهو لهوى في نفْسِه، فيَكُون هَذَا الهوى معبودًا له، كما قَالَ اللهُ تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية: ٢٣]، وإذا سهلت علَيْه المخالفة أول مرة سهل علَيْه أن يخالف بعد ذَلِك، لأَنَّ المعَاصِي في الحقيقَة بين الْإِنْسَان وبينها سياج منيع حائل، فإذا انتهك أول معْصِيَة سهلت علَيْه المعَاصِي، وجرِّب بنفسك حينما تُخالف في أمر من الْأُمُور تجدك أول مرة خائفًا ولا تُقدِم بسهولة، لكن بعد هَذِهِ المرة، أي: في الثَّانية والثَّالِثَة والرَّابِعَة يَكُون الْأَمْر عَليْك سهلًا.

فالصَّحيح: أن المُراد بالْفِتْنَة هُنا الشِّرك، كما قَالَ الْإِمَام أحمد رَحَمَهُ اللَّهُ؛ لأنَّها من الصَّد عن دين الله، كما قَالَ اللهُ عَزَّ وَجلَّ: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: ١٩١].

قَوْلهُ: {تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ} {أَوْ} مانِعة اجتماع أو مانعة خُلوٍّ؟ يعني هل المَعْنى إما هَذَا أو هَذَا ولا يجتمعان فتكون مانعة اجتماع، مثل: تزوج هندًا

<<  <   >  >>