لو قَالَ قَائِل: ما الفَرْق بين قَوْله تَعَالَى: {وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ} وقَوْلهُ: {تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ}؟
الفَرْق بين قَوْلهُ:{وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ} وقَوْلهُ: {تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ} أن التَّلقِّي أخذه من الغير، مثل "تلقي الجَلَب"(١) يعني استقبالهم، فالتَّلقي استقبال الكَلام.
وعبر بقَوْلهُ:{وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ} ذَلِك لإلقاء الكَلام إلى الغير وفيه إِشارَة إلى أن هَذَا القَوْل لا يصل إلى الْقَلْب وإنَّما هو مُجرَّد كلام اللِّسَان وَذلِك لتشكك كثير من الصَّحابَة في هَذَا الخبر، وسبق أن جمهورَهم وفُضلاءَهم أنكروه من أول الْأَمْر.
قَوْلهُ:{إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ} وفي هَذَا من التَّوبِيخ ما فيه و (أَفْوَاه) جمع (فَاه) وهو الفَمُّ، تقول بفمك ما لَيْسَ لك به علم.
إذا قَالَ قَائِل: لماذا قَالَ: {وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ} مع أن القَوْل لا يَكُون إلَّا بالفم؟
الجواب: لأنَّه مُجرَّد كلام باللِّسَان وبالفم لم يستقر في الْقَلْب، ولم يصل إلى قَرارة النَّفس؛ لأنَّه لَيْسَ عن علم؛ لأنهم وإن كانوا يَقُولُونَه لكن كأنهم يستبعدونه، مستريبون في حقيقته، وقد يُقالُ: إن هَذَا من باب التَّاكيد يُراد به تحقيق القَوْل وأنه لَيْسَ مُجرَّد ظن أو تخيل بل يَقُولُونَه صراحة بأفواههم، كما تقول: مشى برجله إلى فلان تحقيقًا للمشي، يعني أنَّه قَوْل محقق تقولونه قولًا صريحًا ولَيْسَ ظنًّا في النَّفس، فإن القَوْل يطلق على الظَّن.
ومثله أيضًا قَوْله تَعَالَى:{وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ}[الأنعام: ٣٨]، ومعْلُوم أن الطَّائر لا يطير إلَّا بجناحَيْه.
(١) أخرجه مسلم: كتاب البيوع، باب تحريم تلقي الجلب، رقم (١٥١٩).