للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقَوْلهُ: {مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ} ما أكثر ما يقع هَذَا من النَّاس، وهَذَا يُفيد أن الْإِنْسَان لا يَقُول قولا إلا وله به علم، لا يكفي أن تقول قولًا لمجرد الظَّن ولا لمجرد الوهم أو التَّخيَّل، لا تقل خصوصًا في الْأُمُور الخطيرة إلَّا مالك به علم، ولهَذَا قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- في سُورة الإسراء: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} يعني لا تتبعه {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: ٣٦]، فأنت مسْؤولٌ عن سمعِك وبصَرِك وقلْبِك الَّذِي هو محل الظَّن والاعتِقاد.

إِذَنْ لا تقل ما لَيْسَ لك به علم، ولا تتَّبعْ ما لَيْسَ لك به علم، فلا بُدَّ من أن يَكُون الْإِنْسَان على علم، وهَذِهِ تربية من الله -عَزَّ وَجَلَّ- تفيد أن الْإِنْسَان يتثبَّت فيما يَقُول؛ ليَكُون قَوْلهُ معتبرًا؛ ولَيْسَلم من إثم القَوْل بلا علم، لا سيَّما إِذَا كَانَ القَوْل على الله، فإنَّه لا أحد أظْلَم ممَّن افترى على الله كذبًا أو كَانَ القَوْل في مثل هَذِهِ الْأُمُور الخطيرة الَّتِي فيها القَدْح بالنَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - وآل بيته وأصْحابه، وبالتالي القَدْح في الدِّين؛ لأنَّه إِذَا قُدح في الرَّسُول الَّذِي جاء به فهو قدح في نفس الدِّين الَّذِي أتى به هَذَا الرَّسُول المقدوح فيه.

قَوْلهُ: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا} قَالَ المُفَسِّر -رَحِمَهُ اللهُ-: [لَا إثْمَ فِيهِ {وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} فِي الْإِثْم] اهـ.

في هَذِهِ الجُمْلَة من تعظيم هَذَا الْأَمْر ما فيها يعني تحسبون أن القَوْل في هَذَا الْأَمْر هينًا وأنَّها كَلِمات تُقال وتُنقل لكنَّه عند الله عَظِيم، ويتعاظَم كلما كَانَ الْإِنْسَان المقول فيه أبعدَ عما قِيلَ فيه، ولهَذَا قذف المحصن فيه الحدّ وقذف غير المحصن فيه التَّعْزِير، يعني لو قذف إنسانًا متهمًا بالزِّنَا ولَيْسَ عفيفًا عُزر، ولو قذف إنسانًا معْرُوفًا بالعِفَّة وجب فيه الحدّ كاملًا ولهَذَا قَالَ: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ}.

<<  <   >  >>