وقُلْنا: إنَّه يتعاظَم بحسَب حال المقْذُوف المتكَلَّم فيه، وكَذلِك إِذَا لم يكن الكَلام قذفًا يَكُون أعظم بحسَب حال القَوْل، ولهَذَا يَقُول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}[العنكبوت: ٦٨]، فأعظم الكَذِب: الكَذِب على الله ثم على رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وهَكَذا يتعاظم الكَذِب بحسب من نمى إلَيْه الكَلام.
مِنْ فَوَائِدِ الآيَة الْكرِيمَةِ:
الفَائِدةُ الأُولَى: أن قلوبَهم لم تستقرّ بهَذَا القَوْل، ولم تطمئِنَّ به، بل هي أقوالٌ بالألسُن، لقَوْلهُ:{إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ}.
الفَائِدة الثَّانية: التَّحذِير من القَوْل على الله بلا علمٍ؛ لقَوْلهُ:{وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ}.
الفَائِدة الثَّالِثَة: التَّحذِير من صغائر الذُّنوب، لقَوْلهُ:{وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا} ولهَذَا قَالَ أنس - رضي الله عنه -: "إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالًا هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُمْ مِنَ الشَّعْرِ إِنْ كُنَّا لَنَعُدَّهَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ المُوبِقَاتِ"(١).
الفَائِدة الرَّابِعَة: أن الْإِنْسَان يحافظ على ما يقول في غيرِه مما يقْدَح فيه، وإن كَانَ هو لا يعتَقِده، بل هَذَا يَكُون أَشَدَّ؛ أي: أن يجمع الْاِنْسَان بين أن يقولَ شيئًا يعتقد أنَّه كذب وأيضًا يسيء إلى غيره.
الفَائِدة الخَامِسَة: تحْرِيم القَوْلِ على الله بلا علمٍ، كما لقَوْلهُ:{وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ} وهَذَا يشمل الفتوى والحُكْم والشَّهادة والأَخْبار الشَّائعة،
(١) أخرجه البُخاريّ، كتاب الرقاق، باب ما يتقى من محقرات الذنوب، حديث رقم (٦٤٩٢)، عن أنس - رضي الله عنه -.