للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الأول: الاعتماد على العقل]

قسم الماتريدية أصول الدين إلى "عقليات" و"سمعيات"، وبنوا على ذلك موقفهم من النقل في باب ما يسمونه "العقليات"، فأي نقل خالف عقولهم في "العقليات" إن كان من أخبار الآحاد ردوه، وإن كان من المتواترات حرفوه أو أولوه بشتى التأويلات الفاسدة، وأما ما يتعلق بالمعاد فلا يؤولونه (١).

فمصدر الماتريدية في التلقي هو العقل يقول أبو منصور الماتريدي: "إن العلم بالله وبأمره عرض لا يدرك إلا بالاستدلال" (٢). أي: بالمعرفة الاستدلالية القائمة على النظر العقلي.

وقال في تفسيره لقوله تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: ١٦٥]: "حقيقة الحجة لكل ذلك إنما يكون في العبادات والشرائع التي سبيل معرفتها السمع لا العقل فلا يكون، وأما الدين فإن سبيل لزومه بالعقل فلا يكون لهم في ذلك على الله حجة" (٣).

كما جعلت الماتريدية معظم مباحث الإلهيات "عقليات"، فجعلوا "السمع" تابعا للعقل فيها، ومن هذه العقليات تلك الصفات الثمان التي يسمونها صفات عقلية ثبوتية، كما يسمونها (صفات المعاني) أيضا. ويعتمدون في إثباتها على الحجج العقلية التي يرونها قطعية، أما النصوص الشريعة فيذكرونها للاعتضاد لا للاعتماد (٤).

أما مباحث المعاد والنبوات فجعلوها سمعية، ويعبرون عن السمعيات بالشرعيات أيضا.

وعرفوا الشرعيات بأنها أمور يجزم العقل بإمكانها ثبوتا ونفيا، ولا طريق للعقل إليها، وأما العقليات فهي ما ليس كذلك (٥).

وقد جعل بعضهم مباحث النبوات من قبيل العقليات (٦).


(١) الماتريدية للأفغاني: ١/ ٥٣٧ - ٥٤٠.
(٢) التوحيد: ٤ - ٦، ٣، ١٢٩، ١٣٧، وانظر: النبراس: ٣١٦ - ٣١٧.
(٣) انظر: التوحيد ١٨٥: ٢٢٤، التمهيد: ١٩، بحر الكلام: ٥، ٦، ١٤.
(٤) منهاج السنة: ٧/ ٣٧، وشرح الطحاوية: ٢٣٧.
(٥) شرح المواقف: ٢/ ٣٠٩.
(٦) انظر: المسايرة مع شرحها لقاسم بن قطلوبغا: ٢١٦ - ٢٤٢.

<<  <   >  >>