للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثالث: أسباب انتشار الماتريدية]

انتشرت الماتريدية في أماكن متعددة لأسباب أهمها ما يلي:

١ - السبب الرئيس، بل أهم الأسباب، اعتناق السلاطين والملوك للمذهب الحنفي، فبسبب ذلك انتشر المذهب الحنفي في شرق الأرض وغربها، وعربها، وعجمها، وفارسها ورومها، وبانتشار الحنفية ونفوذ سلطانهم انتشرت الماتريدية، لأن الماتريدية كانوا يمثلون المذهب الحنفي في الفروع (الأحكام).

ومن المعروف في التاريخ عبر القرون أن أية دولة إذا كانت تميل إلى مذهب ما فإنها تسهل وتوفر لعلمائها مناصب القضاء والإفتاء، والرئاسة والخطابة، والتأليف والتدريس؛ فيجدون أسبابا كثيرة وطرقا ميسورة لبسط سلطانهم، ونفوذ تأثيرهم على الشعوب والأوطان، وتشجعهم الدولة أيضا بإنشاء المدارس والجوامع، وبذلك تنشر أفكارهم ويزداد نشاطهم (١).

وهكذا انتشرت الماتريدية وعقائدهم في بلاد ما وراء النهر، والترك، والأفغان، والهند، والصين وما والاها.

وقوى هذا السبب لنشر العقيدة الماتريدية في الهند وما جاورها، أن العلماء والمشايخ الذين وردوا الهند في عهود الملوك المسلمين: كان جلهم من علماء ما وراء النهر الذي كان معظم اعتمادهم على كتب المتأخرين من فقهاء الحنفية وكانت عنايتهم بكتب السنة ضعيفة وكانوا متأثرين بعلوم اليونان.

٢ - مدارس الماتريدية، ونشاطهم الدراسي والتدريسي:

لمدارس الماتريدية دور عظيم في نشر عقيدتهم، وفي تاريخ الدولة العثمانية خدمت الحنفية والماتريدية في آن واحد، فكان سلطان الماتريدية يتسع حسب اتساع سلطان الدولة العثمانية، وكان جل القضاة والمفتين وخطباء الجوامع ورؤساء المدارس حنفية الفروع ماتريدية العقيدة.

٣ - نشاط الماتريدية في ميدان التأليف:

للماتريدية نشاط بالغ وسعي متواصل في ميدان التصنيف في علم الكلام، وانتشرت هذه الكتب، وبانتشارها وتدريسها انتشرت العقيدة الماتريدية (٢).

٤ - أمور أخرى تكون بمجموعها سببا قويا لانتشارهم وتأثر الناس بهم، وهي ما يلي:

أ- تظاهرهم بمظهر أهل السنة بل دعواهم: أنهم والأشعرية يمثلون أهل السنة.

ب- اتهامهم لأهل السنة المحضة وأصحاب الحديث بالتجسيم والتشبيه ونحو ذلك.

ج- انتسابهم إلى السلف ولاسيما إلى الأئمة: "أبي حنيفة "و "الشافعي ".

د- كثرة الحق الذي عندهم بالنسبة للباطل الذي عند غيرهم من أهل البدع.

هـ- ردهم على الفرق الباطلة كالجهمية الأولى والمعتزلة والخوارج والروافض وغيرهم.

و- ضعف بعض أهل السنة المحضة وأهل الحديث في نشر عقيدة السلف وبيان الحق والرد على المخالف (٣).


(١) النافع الكبير مقدمة الجامع الصغير للإمام محمد بن الحسن الشيباني ٧، الروضة البهية: ٤.
(٢) عقيدة الإسلام والإمام الماتريدي: ٤٨٠.
(٣) الماتريدية للأفغاني: ١/ ٢٩٤ - ٣٠١.

<<  <   >  >>