للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الرابع: التأويل أو التفويض]

لما كان مصدر تلقى العقيدة عند الماتريدية في العقليات هو العقل وهو حاكم وأصل، والنقل تبع له وفرع عنه؛ فإذا ورد النقل على خلاف العقل لابد من أن يرد أو يحرف بتأويله وصرفه عن ظاهره، وأما في السمعيات فمصدر تلقي العقيدة عندهم هو النقل.

فالمتواترات - كنصوص القرآن الكريم، والسنة المتواترة - حكموا عليها بأنها وإن كانت قطعية الثبوت، ولكنها ظنية الدلالة؛ لأنها أدلة لفظية، وظواهر ظنية لا تفيد اليقين، وتخالف البراهين القطعية العقلية، وأن الأدلة العقلية براهين قطعية، وعند التعارض تقدم الأدلة العقلية، لأنها الأصل (١).

والأدلة السمعية إما أن تفوض، وإما أن تؤول (٢)، وأما البراهين العقلية فتأويلها محال (٣).

واختلفوا بينهم في إيهما يقدم، فمنهم من قال في هذه الآيات - أي آيات الصفات الخبرية - إنها متشابهة نعتقد فيها أن لا وجه لإجرائها على ظواهرها، ولا نشتغل بتأويلها، ونعتقد أن ما أراد الله تعالى بها حق.

ومنهم من اشتغل ببيان احتمال الآياتِ معانيَ مختلفة سوى ظاهرها، ويقولون: نعلم أن المراد بعض ما يحتمل بها الألفاظ من المعاني التي لا تكون منافية للتوحيد والقدم، ولا يقطعون على مراد الله تعالى لانعدام دليل يوجب القطع على المراد وتعيين بعض المعاني (٤).

قال في التمهيد بعد ذكره لآيات الصفات: "فإما أن نؤمن بتنزيلها ولا نشتغل بتأويلها، وإما أن تصرف إلى وجه من التأويل يوافق التوحيد" (٥).


(١) انظر شرح المقاصد: ٢/ ٥٠، وشرح العقائد السلفية: ٥، ٤٢.
(٢) انظر: شرح العقائد النسفية: ٤٢، شرح المقاصد: ٢/ ٥٠، عمدة القاري: ٢٥/ ٨٨، ٩٠، ١٠٩، ١٣٤.
(٣) نشر الطوالع: ٢٨٢.
(٤) تبصرة الأدلة: ل ١١٠، ١١١، ١١٣، وانظر: أصول الدين للبزدوي: ٢٥، ٢٦.
(٥) السواد الأعظم: ٢٧، التمهيد: ١٩، وانظر: إشارات المرام: ١٨٧، ١٨٩.

<<  <   >  >>