المبحث الثاني: المسائل الخلافية بينهما لفظا (١)
أما المسائل المختلف فيها لفظا فهي:
المسألة الأولى: السعادة والشقاوة: ترى الماتريدية أن السعادة والشقاوة تكونان في الحال، وليستا أزليتين، وبذلك يكون السعيد عندهم هو المؤمن في الحال، ولو مات على الكفر فقد انقلب شقيا بعد أن كان سعيدا، والشقي هو الكافر في الحال ولو مات على الإيمان فقد انقلب سعيدا.
أما عند الأشاعرة: فمفهوم السعادة عندهم هو الموت على الإيمان، وذلك-باعتبار تعلق علم الله تعالى- أزلا بذلك، وكذلك الشقاوة عندهم هي الموت على الكفر، وبذلك يكون السعيد عندهم سعيدا في الأزل والشقي شقيا في الأزل، ولا يتبدل السعيد شقيا أو الشقي سعيدا.
المسألة الثانية: حكم بقاء الرسالة بعد موت الرسل: عند الماتريدية أن الرسل والأنبياء يظلون كذلك حتى بعد موتهم أي بصفتهم أنبياء ورسلا.
وأما الأشاعرة فيرون أن الأنبياء والرسل بعد موتهم في حكم الرسالة، وحكم الشيء يقوم مقام أصله. وبذلك يتضح أن الفريقين يتفقان في أصل المسألة وهي أن الرسالة باقية إلى الآن، لكن الخلاف فيما إذا كانت الرسالة باقية حقيقة أم في حكم الرسالة.
المسألة الثالثة: الإرادة، وهل تستلزم الرضا والمحبة أم لا؟ فالماتريدية يثبتون إرادة الله تعالى الشاملة لأفعال العباد، لأن أفعال العباد من خلقه تعالى، والقول بعدم إرادة الله الشاملة معناه: عدم قدرة الله على أفعالهم، فالقول بالقدرة المطلقة والإرادة المطلقة والعلم المطلق لازم لتمام صفات الألوهية.
غير أن الماتريدية يقولون: إنه لا محبة في صفة الإرادة، وأن هذه الإرادة لا تستلزم الرضا والمحبة.
أما الأشاعرة فيرون أن الإرادة هي الرضا والمحبة، إذ المحبة هي الإرادة، والرضا كذلك معناه الإرادة، والإرادة تستلزم الرضا والمحبة، وبهذا تكون الإرادة والمحبة والمشيئة والرضا والاختيار كلها بمعنى واحد.
المسألة الرابعة: الاستثناء في الإيمان: يعرف الماتريدية الإيمان بأنه تصديق بالقلب وإقرار باللسان. ويعرفه الأشعرية بأنه التصديق بالله تعالى.
فذهبت الماتريدية إلى منع دخول الاستثناء في الإيمان، فالمؤمن عندهم يكون مؤمنا حقا وليس مؤمنا بالمشيئة، وذلك لأن الماتريدية يرون أن الاستثناء شك في إيمان المؤمن وشرائطه التي لا تقبل الشك.
بينما يذهب الأشاعرة إلى جواز الاستثناء في الإيمان، فيمكن للمؤمن أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله.
وبذلك يظهر أن محل الخلاف هو أن الماتريدية لا يجيزون الاستثناء في الإيمان، بينما الأشعرية يجيزون ذلك.
(١) انظر: الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات للأفغاني: ١/ ٤٦٨ وما بعدها.