للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثاني: الإيمان باليوم الآخر]

تسمي الماتريدية المسائل المتعلقة باليوم الآخر السمعيات وذلك بناء على أن هذه المسائل لا تعلم إلا بالسمع، أي أن مصدرهم في التلقي فيما يتعلق باليوم الآخر هو السمع فقط، لذا نجدهم قد وافقوا أهل السنة والجماعة في هذا الباب فأثبتوا نعيم القبر وعذابه وأشراط الساعة والبعث والنشور والميزان والصراط والحوض (١)؛ إلا أن اعتقادهم بأن اليوم الآخر وما يتعلق به لا يعلم إلا بالسمع ليس بصحيح؛ بل إن العقل قد دل على اليوم الآخر كما دل عليه السمع، بل إن السمع قد نبه على دلالة العقل في ذل كما في قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (١٩٠) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (١٩١) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [آل عمران: (١٩٠) - (١٩٢)].

ولما كانت رؤية الله تعالى من المسائل المتعلقة باليوم الآخر قالت الماتريدية بإثباتها لدلالة السمع عليها وبجوازها في العقل، إلا أنهم قيدوها بنفي الجهة والمقابلة؛ وذلك لأنهم ينفون عن الله علو الذات فاحتاجوا إلى أن يجمعوا بين مسألة نفي العلو وإثبات الرؤية (٢).

قال أبو منصور الماتريدي: "القول في رؤية الرب -عز وجل- عندنا لازم وحق من غير إدراك ولا تفسير، فأما الدليل على الرؤية فقوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام: ١٠٣]، ولو كان لا يرى لم يكن لنفي الإدراك حكمة.

الثاني: قول موسى عليه السلام: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف: ١٤٣] ولو كان لا يجوز الرؤية لكان ذلك السؤال منه جهل بربه.

وأيضا قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: (٢٢)] " (٣).


(١) انظر: الفرق الإسلامية وأصولها الإيمانية للدكتور عبد الفتاح أحمد فؤاد: ١/ ٢٧٦.
(٢) انظر: منهاج السنة: ٣/ ٣٤٢، ٢/ ٣٣٤، وبيان تلبيس الجهمية: ٢/ ٧٧.
(٣) التوحيد: ٧٧ - ٨٠.

<<  <   >  >>