للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثاني: ترك الاحتجاج بأحاديث الآحاد في العقيدة]

من الأصول المنهجية لدى الماتريدية في تقرير العقيدة عدم الاحتجاج بأحاديث الآحاد في باب العقائد، فلا يحتجون إلا بالقرآن أو المتواتر من الأحاديث، ولا يثبتون العقيدة بالقرآن أو الحديث إلا إذا كان النص قطعي الدلالة (١).

وقالوا بأن أحاديث الآحاد تفيد الظن ولا تفيد العلم اليقيني، وذلك لعروض الشبهة في كونها خبر الرسول، لعدم الأمن من وضع الأحاديث على النبي صلى الله عليه وسلم (٢).

وقالوا يؤخذ بها في الأحكام الشرعية؛ وذلك حيطة في الأمر وأخذا بالحزم، وأن المتواتر لا يوجد في كل حادثة فلو رد خبر الواحد تعطلت الأحكام (٣).

وقد نص على عدم الاحتجاج بأحاديث الآحاد في العقائد الماتريدي في كتاب (التوحيد) وفي (التأويلات)، وذكر أن خبر الآحاد لا يوجب العلم لأنه لا يبلغ مرتبة الخبر المتواتر في إيجاب العلم والشهادة ولكنه يجب العمل به واستدل على وجوب العمل بخبر الواحد بأمر الله لمن يصلح للتفقه في الدين بالتخلف عن الجهاد لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم (٤).

والماتريدية في الحقيقة لا يحتجون بأحاديث الآحاد الصحيحة في الأحكام الشرعية العملية مطلقا بل حتى يكون الحديث مقبولا لديهم يجب أن يكون موافقا لقواعدهم وأصولهم التي قرروها وقد صرح به غير واحد منهم قال أبو زيد الدبوسي في (تأسيس النظر): " الأصل عند أصحابنا أن خبر الآحاد متى ورد مخالفًا لنفس الأصول مثل ما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه أوجب الوضوء من مس الذكر لم يقبل أصحابنا هذا الخبر لأنه ورد مخالفا للأصول" (٥).


(١) انظر: شرح العقائد النسفية: ٣٤، المسامرة شرح المسايرة: ٣١، ٣٢.
(٢) النور اللامع: ل ٩٩، ١٠٠، الحواشي البهية: ١/ ٥٩.
(٣) شرح المنار لأبي البركات النسفي وحواشيه ٦٢٠، فتح الغفار شرح المنار: ٢/ ٧٩.
(٤) التوحيد: ٨، ٩، وانظر: التحرير لابن الهمام: ٣٣٤، الماتريدية للحربي: ١٧٧ - ١٨٥.
(٥) تأسيس النظر: ١٥٦. وانظر: ((الأصول)) لأبي الحسن الكرخي ملحقة بتأسيس النظر تحقيق مصطفى القباني: ١٦٦ - ١٧١.

<<  <   >  >>