للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقول الماتريدية ومن وافقهم بعدم حجية أحاديث الآحاد في العقائد قول لا أصل له؛ بل هو مبتدع محدث، فتقسيم ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى متواتر وآحاد تقسيم لم يكن معروفا في عصر الصحابة والتابعين، كما أن القول بأن خبر الواحد لا يفيد العلم قول ابتدعته القدرية والمعتزلة، وكان قصدهم منه رد الأحاديث ورفضها لأنها حجة عليهم (١).

وقد نص الإمام الشافعي رحمه الله على إجماع المسلمين على حجية خبر الواحد في الرسالة حيث قال: " ولو جاز لأحد من الناس أن يقول في علم الخاصة: أجمع المسلمون قديما وحديثا على تثبيت خبر الواحد والانتهاء إليه بأنه لم يعلم من فقهاء المسلمين أحد إلا وقد ثبته جاز لي " (٢). وقال بعد أن نص على حجية خبر الواحد: " ولم يزل سبيل سلفنا والقرون بعدهم إلى من شاهدنا هذه السبيل" (٣).

والقول بحجية خبر الواحد في العقائد والأحكام هو مذهب الإمام مالك رحمه الله كما ذكره عنه محمد بن أحمد المعروف بابن خويزمنداد (٤). وهو أيضا قول الإمام أحمد رحمه الله، قال المروذي رحمه الله: "قلت لأبي عبد الله: ههنا اثنان يقولان: إن الخبر يوجب عملًا ولا يوجب علمًا فعابه، وقال: لا أدري ما هذا ... " (٥).

ولا يعرف عن أبي حنيفة رحمه الله أنَّه قال بعدم إفادة خبر الواحد العلم، أو أنَّه فرق في قبوله بين العقائد والأعمال؛ بل الذي ورد عنه قبول الأحاديث بدون تفريق، فقد روي عنه أنه قال: "إذا جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لم نحد عنه إلى غيره وأخذنا به" (٦). وهو مذهب السلف وجمهور المحدثين والأصوليين.


(١) انظر: صون المنطق: ١٦١.
(٢) الرسالة: ٤٥٧.
(٣) الرسالة: ٤٥٣.
(٤) انظر: الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم: ١/ ١٣٢، مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم: ٢/ ٣٦٣.
(٥) انظر: مختصر الصواعق: ٢/ ٣٦٣، إرشاد الفحول للشوكاني: ٤٨.
(٦) مناقب أبي حنيفة للموفق بن أحمد المكي: ٧١.

<<  <   >  >>